زمن الغرائب

مصطفى الآغا

TT

حتى أكون صريحا، فأنا أتكلم عن شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج وليس عن بلد معين أو حادثة معينة.... فما رأيناه ونراه في ملاعبنا يؤكد لي بما لا يدع مجالا للشك أننا كعرب (في المجمل) نتقبل الجور والظلم إذا جاء من الغريب ولا نقبله أو نستسيغه أو نطيقه أو يمكن أن نتعايش معه أو نتفهمه إن جاءنا من ابن العم أو القريب أو ابن البلد حتى لو كان هذا الظلم ليس مقصودا...

شاهدوا كيف نقذف حكامنا المحليين بأقذع الألفاظ ونضغط عليهم إعلاميا ونشكك بذممهم وأخلاقهم (من دون دليل معظم الأحيان) ونتهمهم بالانحياز عندما يخطئون في صافرة أو قرار بين فريقين محلييْن... وطبعا هم أنفسهم من نفرش لهم السجاد الأحمر يوم يعودون من الخارج وقد قادوا أكثر المباريات القارية أو العالمية أهمية وحساسية مثل نهائي كأس العالم أو آسيا.... ولكن عندما يأتينا حكم (أجنبي) ويبدأ بالتخبيص في القرارات ويُغيّر بصافراته حتى نتيجة المباراة، تجدنا نتقبل هذه النتيجة مهما كانت على اعتبار أن هذا الغريب قد أخطأ بشكل غير مقصود؛ لأنه لا ناقة له ولا جمل في ما يحدث للفريقين وبين الفريقين ولا يعرف « فلان من علتان» ولن يتحيز للغامق على حساب الفاتح ولن يخاف من سطوة هذا النجم أو ذاك، ولم ولن يتأثر بالضغط الإعلامي الرهيب الذي مارسته صحف ووسائل إعلام هذا النادي أو ذاك... وقد يكون كل هذا صحيحا ولكننا نتحدث عن مبدأ الخطأ من أساسه، وإن ترتكب الأخطاء فهذا طبع إنساني لا يخص جنسا أو فئة دون غيرها وبالتالي فلماذا خطأ الأجنبي مبرر تحت هذه العناوين وخطأ المحلي غير مبرر نهائيا ويجب أن يكون له أسبابه ودوافعه ؟؟؟ ألا يمكن أن يكون هناك خطأ محلي بريء؟؟؟

نفس الكلام ينطبق على القرارات (الأممية) رياضية وسياسية وحتى اقتصادية.. فنحن نتقبلها ونرضخ لها ونتعاطى معها وكأنها قوانين لا يجوز الشك في صدقيتها فقط إن كانت صادرة عن هيئات دولية مثل «الفيفا» ولجانه المتعددة والمختلفة ولكننا لن نقبلها لو صدرت عن لجاننا المحلية أو العربية أو الإقليمية؛ لأنها منحازة أو تفتقد للمصداقية أو ضعيفة، ولهذا ترى معظم بطولاتنا العربية غير منتظمة من كثرة الانسحابات وقلة احترامها من قبل من أنشئت من أجلهم ومن أجل ترابطهم وتكاتفهم، ولأننا ضعاف الشخصية لهذا (نتلطى غالبا خلف الأقوى وخلف الجهات الدولية) وما رأيناه من (مهزلة في آليات اتخاذ القرار الكروي) على خلفيات حادثة زعبيل ما هو إلا دليل على ما نقول... لوائح نضعها نحن ولا نعرف أو نسيء تفسيرها ولا نتفق على رأي حولها رغم الساعات الخمس التي نقضيها في الجدل البيزنطي حولها وحول حادثة تتكرر ألف مرة في ملاعب العالم والتعامل معها ليس (كيمياء نووية) ولكننا نأبى ونرفض أن يكون الحل من عندنا؛ لأنه لن يُرضي الطرفين فنتوجه لـ«الفيفا»، التي لا تعترف أصلا بالبطولة الخليجية حتى تخلصنا من همّ اتخاذ القرار ومن زعل هذا الطرف أو ذاك، والطرفان أساسا لن يقبلا ما كانت اللجنة ستقرره إن لم يكن في صالحهما معا وهو المستحيل بعينه... وكان الحل السحري (دوليا) ليتقبل بعدها الجميع القرار ولنثبت ضعف شخصيتنا في اتخاذ القرار وهزالة القوانين التي نضعها وضحالة طريقة تعاملنا معها لنحفر بأيدينا قبر هذه البطولة وربما غيرها من البطولات التي كانت تجمعنا في يوم من الأيام....

حقا.. إنه زمن الغرائب....