فوضى «الإفتاء» الرياضي

موفق النويصر

TT

في فبراير (شباط) الماضي، عندما وصف المدرب الهلالي إيريك غيريتس، أحد الإعلاميين السعوديين - أو سؤاله - بالغباء، لا أنكر أنني انزعجت بعض الشيء من هذا الوصف، كونه لا يليق أن يوصم شخص بوصف كهذا.

ولكن عندما كتب الدكتور عبد الرزاق أبو داود قبل أيام مقالا في هذه الصحيفة بعنوان «أبو العريف الرياضي»، تعرض فيه لنماذج من العاملين في هذا المجال، ممن «يفتون» في كل كبيرة وصغيرة، سواء كانت لديهم الخبرة في ذلك أم لا، قررت تتبع ما الذي دعا الاثنين إلى أخذ هذين الموقفين.

وبحكم أنني موجود خارج السعودية فليس أفضل من تتبع ما تخطه أيدي بعض الإعلاميين السعوديين في صحفهم أو تنطق به ألسنتهم عبر الفضائيات، فوجدت أن الوصف الذي أطلقه غيريتس وأبو داود كان مخففا للغاية، مقارنة بالحالة «السرطانية» التي يعاني منها الإعلام الرياضي.

كمهتمين بالشأن الرياضي قد نقبل أن يوضح عبد اللطيف الحسيني وجود خلل ما في المعدل اللياقي لأي فريق، والكيفية التي يمكن أن يعالج بها هذا الخلل، كونه أحد الكوادر الفنية المؤهلة في هذا المجال.

وقد يبدو الأمر أكثر إقناعا لو تحدث محمد الخراشي وصالح المطلق وحمود السلوه عن أخطاء المدربين، وبينوا أسباب خسارة هذا الفريق، أو حددوا أوجه القصور في الخطة الموضوعة من قبل أي مدرب، عطفا على خلفيتهم التدريبية الطويلة.

والأمر ذاته ينطبق على عادل البطي ووجدي الطويل وحمد الصنيع، عندما يتحدثون عن الأمور الادارية الكروية، كونهم مارسوا هذا العمل في أنديتهم.

ولكن من غير المقبول أن يطل علينا من يسمي نفسه «إعلامي رياضي» وهو لم يمارس اللعبة في حياته يوما، ومع ذلك تجده يتحدث بملء فمه عن أخطاء المدربين، واضعا في الوقت ذاته رؤيته الفنية لمواضع الخلل في البرنامج اللياقي المقدم للفريق، وإن أسعفه وقت الحلقة التي هو ضيفها، ولم يقاطعه مقدم البرنامج، لعرج على الأمور الإدارية للفريق، بصفته خبيرا «ثلاثي الأبعاد».

الغريب أن هذه الفوضى كانت متفشية حتى وقت قريب، عندما كان الحديث يتعلق بالشأن التحكيمي، ولكن عندما عمدت معظم القنوات الفضائية إلى الاستعانة بحكام دوليين لإعطاء الرأي القانوني حيال الأخطاء التي تسجل أثناء المباريات، اختفت ظاهرة «الإفتاء» التحكيمي وظلت باقية في المجالات الأخرى.

المشكلة في إعلامنا الرياضي أن معظمه يعمل دون احترافيه كاملة، فالخيار الأول للاستضافة في أي برنامج تلفزيوني يبنى دائما على «من المتاح الآن»، وليس من المؤهل لشغل ساعات الحلقة موضوع النقاش، يؤكد ذلك ثبات الأسماء التي نشاهدها يوميا وفي جميع المواضيع.

للأسف الشديد لا يعلم الكثير من الإعلاميين السعوديين أن دورهم ينحصر في طرح الأسئلة وليس الإجابة عنها، وهو عكس ما يحدث الآن، حيث أصبحوا يتسابقون على التشخيص والتحليل ومن ثم وضع الحلول، وتحولوا من ناقلين للحدث إلى صانعين له، وبالتالي تسببوا في الفوضى التي يعاني منها الوسط الرياضي حاليا.

ودون العودة إلى قواعد العمل الصحيح، والتزام كل شخص بدوره، ستظل هذه الفوضى حتى إشعار آخر، وليعنا الله عندها على فرز الغث من السمين.

[email protected]