مرحى لهذا التنافس!

محمود تراوري

TT

اللعب هو أصل الفنون.. هذا ما كان يقرره الفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر، أما الألماني هويزنجا فقد أكد أن اللعب من أقدم أنواع الثقافة، وأن الحضارة مستمدة من اللعب، فمظاهر النشاط الابتكاري كالفن والمهن والكشف العلمي، جميع هذه الأشياء تمت بصلة وثيقة إلى اللعب.

أما أستاذ الفلسفة في جامعة بازل، كارل جروس، فقد اهتم باللعب بوصفه أساسا ممكنا لعلم الجمال. وتفيد نظرية الإعداد للحياة بأن اللعب يؤدي وظيفة مهمة، وهي إعداد الكائن الحي للحياة المستقبلية، ولهذا فإن اللعب ظاهرة طبيعية للنمو والتطور، ويعد جزءا من التكوين العام للإنسان.

ولما كانت فترة الطفولة هي التي تتميز بأنها فترة إعداد للحياة، فإنها الفترة التي يمارس فيها الكائن الحي اللعب بتلقائية وفقا لما يقوله الدكتور محمد الحمامي.

وبغض الطرف عن كون معظم المرجعيات النظرية في هذا الشأن هي منتج غربي، وتكاد تخلو ثقافتنا العربية من تنظيرات مماثلة اهتمت بالتربية والنشء، عدا متناثرات هنا وهناك، لعل أبرزها اجتهادات أبو حامد الغزالي، وابن القيم، إلا أننا ابتهجنا كثيرا بعودة الألعاب المدرسية التي أطلقها وزير التربية والتعليم الأسبوع الماضي بحضور الرئيس العام لرعاية الشباب ونائبه في مدينة الملك عبد العزيز الرياضية في مكة المكرمة المدينة التي شهدت تاريخيا انطلاق الفرح الرياضي عبر المدارس، يوم أن كانت المدرسة إلى جانب الحارة تسيران في خط متواز لتفريخ الأبطال الرياضيين وصناعة النجوم، لا بل صناعة الفرح بأكمله في المجتمع قبل أن تختطفه قوى التشدد والتطرف التي سدت المنافذ أمام الشبان، فلم تترك أمامهما إلا طريقين، إما التطرف والتعصب الديني، أو هلاك ودمار المخدرات، إلا من رحم ربك!

في «الزمانات» القديمة، وإلى ما قبل منتصف الثمانينات الميلادية من القرن الماضي تقريبا، كان الفرح حاضرا في المدارس، تتم ممارسته عبر نشاطات كثيرة منها الكشفي، والموسيقي والمسرحي، والإذاعي والصحافي، وفي المقدمة، طبعا، كان الرياضي.

يجتهد الطلاب ويتنافسون من أجل الانضمام إلى منتخب المدرسة وتمثيلها في منافسات المدن الداخلية.

كان شائعا وقتها أن تسمع في مكة أن المدينة بأسرها تتهيأ لمتابعة نهائي القدم بين ثانويتي الحسين بن علي ومكة، أو تسمع أن الرياض تابعت تحقيق ثانوية اليمامة بطولة العام، وكذا ثانوية الشاطئ في جدة أو ثقيف في الطائف. وبعد التنافس المحلي، يكون تطلع الشبان للانضمام إلى منتخب المدينة والمشاركة في منافسة مدن أخرى على مستوى المملكة.

أحسنت صنعا وزارة التربية بإعادة الوهج للدورة المدرسية، ولا يزال المجتمع ينتظر منها دورا أكبر لتفعيل مادة التربية الرياضية داخل المنهج الدراسي، بحيث يسير النظري مع الميداني، كي يجتاز الطالب المرحلة الثانوية وهو مدرك ماهية الرياضة ومعناها النبيل كتربية وحضارة وقانون وثقافة، لأن المجتمعات تحدد ملامحها الأولية المدنية مما تغرسه في النشء، وتنشئه عليه.