من لم يبك.. فلن يضحك!

منيف الحربي

TT

تناقلت وسائل الإعلام تصريحات رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر التي عبرت خلالها عن دعمها للأسطورة مارادونا رغم الخروج المرير لبلاده من كأس العالم، وشاركت الرئيسة شعبها في تقدير الرمز الكبير دييغو حيث ذكرت أنها اتصلت به عقب مؤتمره الصحافي، لكنه لم يتمكن من الكلام حيث كان غارقا في البكاء. ثم أضافت: لم يقدم لنا أحد سعادة مماثلة على أرض الملعب كما فعل دييغو أرماندو مارادونا!

الشعب الأرجنتيني تسابق لإعلان محبته للمدرب وغفران فشله الذريع بل والمطالبة ببقائه حتى المونديال المقبل، وهي مطالب عاطفية بحتة تتكئ دون شك على تاريخ اللاعب المعجزة، وأدائه الساحر الذي لا يتكرر. يشاركهم في ذلك محبو التانغو في كل قارات الدنيا، لكن القرار الأخير سيكون في يد المعني بالأمر الذي اعترف بأنه قدم كل ما في جعبته.

العاطفة في كرة القدم قد تفعل شيئا لكنها لا تكفي وحدها، خاصة في عصر التقنية الكروية المعتمدة على سرعة الأداء وقوة الاشتراك والانضباط، إضافة إلى المهارة العالية والحضور الذهني (التركيز).. مع ضرورة وجود أطقم فنية وطبية مدججة بالعلم والتأهيل والتجربة والطموح.

أعود لدموع مارادونا التي سالت من الصين إلى الأرجنتين، وأقول إن العاطفة مطلوبة رغم كل ما تقدم.. فمن دون المشاعر تكون كرة القدم مشهدا باردا خاليا من الروح التي تحفز الإبداع وتشعل المساحات، وقد شاهدنا كيف حول مارادونا خط التماس من منطقة عادية إلى مكان ساخن ملتهب بالتعابير المدهشة زاخر بالحياة والحركة.. ومن تابع انفعالاته وحيويته التي أثارت الكثير من التعليقات يعرف أن الذي غرق في البكاء عند الهزيمة لم يكن يتصنع الفرح الغامر عند الانتصار.. لكنها الروح اللاتينية المشبعة بالثورة والحس والتحدي والزاخرة بالأحضان والقبلات!

كأس العالم.. خشبة مسرح نابض، تقدم عليها كرة القدم دروسا حضارية مترعة بألوان للسلوك الإنساني المضيء والمعتم.. فرح وحزن.. ضحـــــــك وبكاء.. أمل ويأس.. لذة وألم... تتخالط شخـــــوص المشاهد وحركاتها.. سياسيون، وفقراء معـــدمون، ومشـــــــــاهير، وأناس عاديون، يتراقصـــــــون حبورا ويجمــــــــدون في أماكنهم حسرة.. وتبقى العاطفة محركا مهما لا ينبغي تهميشه، فمن لم يبك عند الخسارة فلن يحس بمتعة الانتصار!

أخيرا يقول مايك تايسون: «الحياة لا تعني امتلاك كل شيء، بل تعني خسارة كل شيء تدريجيا»!