كرة القدم «الشبابية»

عبد الرزاق أبو داود

TT

كرة القدم «الشبابية» التي تمارس في الأحياء والساحات نافذة يمكن من خلالها تعلم أنماط مختلفة من القيم والعادات والأساليب التي تزخر بها حياة الإنسان؟ تحليل هذه الممارسة يقود إلى الاستنتاج بأن كرة القدم تمارس بصورة تنافسية يوميا في حي أو ساحة من قبل مجموعات من الشبان. ومن النادر في هذه اللعبة أن تمارس تكتيكات فنية أو تمارين لياقية عصرية، فكل ما يهم هنا هو المنافسة وسبل إشعالها والتمتع بها، حيث يكون اللاعبون في حالة تنافس دائم، وبالتالي فهم يتعلمون من أخطائهم ولا يتدربون ضمن مجموعات على تنفيذ تكتيكات معينة، وإنما - ومن دون أن يدركوا - يطورون قدراتهم الفنية والتكتيكية والفكرية. ممارسة كرة القدم يوميا تؤكد وتعزز هذه التطورات. ومن الملاحظ أن هذه العملية في حد ذاتها أصبحت ضرورية ولم يعد مهما أن يحضر الكبار لتوجيه الصغار. أنت وأنا والآخر نستطيع أن نستوعب تكتيكات هذه الفرق الأساسية من دون القيام بأي مجهود، فاللاعب هنا من هؤلاء الصغار «مجبر» على تعلم التراتبية الهرمية في اللعبة والالتزام بها.

في أفريقيا وأميركا الجنوبية تتوفر ساحات كثيرة لممارسة كرة القدم «الشبابية» حيث الظروف المحيطة المواتية، ويمكن ملاحظة أن الصغار يبدؤون اللعب مبكرا، وبذلك فإنهم يمرون «حتما» خلال تكتيكات فنية وقيمية مختلفة من خلال تجاربهم الخاصة، ولذلك فإن المشاعر الخاصة نحو اللعبة هنا تكون أكثر قوة وأصالة، فهم يجدون أن دوافعهم للعب في الشارع أو الحي أشد قوة بصرف النظر عن مدى وطبيعة الظروف التي يلعبون فيها مهما كانت متواضعة، حتى وإن كان هناك حائط أو مرمى واحد.

من جهة أخرى فإن كرة القدم «الشبابية» لم تعد ممارستها اليوم ممكنة بشكل واسع كما كان الأمر في السابق.. ساحاتها أضحت مرتعا للسيارات، أو متنزهات وملاعب أطفال.. فعاليتها غير منظورة.. الحصول على ترخيص لممارستها عائق آخر! وبصرف النظر عن كل هذا.. فإنها لم تعد تتمتع بالشعبية نفسها كما كانت سابقا، ورغبة الآباء في تفرغ أبنائهم للتحصيل العلمي أسهمت في ضعف الإقبال على كرة القدم «الشبابية». توفر اهتمامات أخرى أمام الأطفال وصغار السن لتزجية الوقت كمشاهدة التلفاز والذهاب إلى المتنزهات والسفر وغيرها عوامل جاذبة أثرت في الإقبال على ممارسة اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ناهيك عن تضاؤل رغبة الشباب السعودي في ممارستها في الساحات لانشغالها بكبار السن من غير السعوديين، كما أدى تضاؤل حجم وتأثير الطبقة المتوسطة المحلية إلى تراجع الإقبال على اللعبة كون هذه الفئة كانت ولفترات زمنية السند الأول لممارسة كرة القدم «الشبابية» حيث كانت ترى هذه اللعبة ضمن الأنشطة التعليمية الإيجابية التي يمارسها الشباب والأطفال.

كرة القدم «الشبابية» هي المعقل الأساسي التي تولد فيه كرة القدم وتصقل مواهب اللاعبين وتطور قدراتهم الفردية والجماعية.. فهل فكرنا في العمل على إعادتها إلى وهجها وحلاوتها!؟