مهزلة الخطاب رياضيا

محمود تراوري

TT

توجد في مجتمعنا، وفي المجتمعات الأخرى فيما أتصور، مخاوف كلامية عميقة، بدرجات وإيقاعات متفاوتة، يوجد خوف أصم، ضد الوقائع هذه، ضد كتلة الأشياء المقولة هذه، ضد العبارات هذه، ضد كل ما يمكن أن يكون هاهنا من عنف، ومن مشاغبة ومن اختلال ومن مهلكة، ضد هذا الصخب الدائم والطائش للخطاب.

استعدت أفكار الفرنسي ميشيل فوكو - أحد أهم دارسي علم الخطاب ومنظريه في العالم - وأنا مصاب بالرعب، ولا أريد أن أقول الإحباط، والفاضل «خالد عسيري» يعلق على مقالة الأسبوع الماضي «نور كحالة ومادة للدراسة» جازما بقوله «أستاذ محمود اقطع ذراعي لو فهم القراء شي مما كتبت وسلامتك». وأنا كتبت كلامه بنفس الشكل الوارد في الموقع الإلكتروني، ولم أشأ تصحيحه راجيا أن يتركه أيضا مصحح الجريدة كما هو. لأني أومن كليا بأن سلامة اللغة مرتبطة بسوية التفكير، فالمرء لا يمكنه التواصل مع أفكار لغة لا يعرفها.

لنتجاوز اللغة والمعرفة كمستوى من مستويات التواصل، لنتجاوز نبرة الجزم في طرح الرأي والتحدي، مثلما نتجاوز تبني منطق الوصاية على الآخرين والتحدث باسمهم، تاركا لعسيري حرية قطع ذراعه من عدمها، لنبق في جوهر المقال والذي كان يتساءل ببساطة عن غياب علوم إنسانية لها حضورها الأساسي والعميق في المجتمعات المفعمة بالحيوية والتي تدير حياتها بالتفكير العلمي، كعلمي الاجتماع والنفس عن الحقل الرياضي لدينا، وبما يمكن اعتبار هذا الغياب سببا من أسباب عديدة لإخفاقاتنا رياضيا المتأتية أصلا - في تصوري - من رداءة وسوء إدارة الرياضة في أنديتنا، وما كانت مشكلة محمد نور هي المشكلة الأولى التي تظهر كيف أننا ندير واقعنا الرياضي بـ«البركة والتساهيل» وأنماط التفكير القديمة، وبعد ذلك لا نخجل أبدا ونحن نتغنى بكوريا واليابان أن نتساءل: «لماذا يتقدمون بهذه السرعة؟».

إنه شكل من أشكال اختلال الخطاب، قد يؤدي إلى مهلكة، وحتى صحافيا، إذا ما استمر الصخب الدائم والطائش للخطاب فستبقى المهزلة مستمرة، ولن نتعلم، ليبقى الاحتقان كما هو، وبث خطابات الكراهية التي ربما تتطور إلى عنف يبدأ لفظيا ولا نعرف عواقبه التي هي حتما ودائما وخيمة.

وفي الجملة يحتقن الأفق والشارع الرياضي، ولأسباب غير موضوعية البتة أو غير مفهومة على الأقل وتنهال الشتائم والإقصاءات والحقارات في شبكة الإنترنت التي تعاطينا معها بذات أنماط التفكير والمشاعر القديمة.

فبقينا «للخلف در.. للخلف سر» متجهين إلى هوامش التاريخ ويا للفجيعة.

لكن بجد: هل كانت تستحق مشكلة نور كل هذا الضجيج؟ كل هذا التضخيم؟

يمكننا الآن مراجعة كل «الخطابات» ومحاولة تفكيكها بهدوء لنعرف أين تكمن أزمتنا بالضبط. أهي في «الخطاب» أم في الوعي والتفكير الذي يصنع ويشكل وينتج «الخطاب»!!