في وداع السقا: «موت المبدعين»!

مساعد العصيمي

TT

أكتب ورقة.. أمزق.. أخرى.. أنا في حيرة.. ما الذي أستطيع أن أكتبه عن أخي وصديقي محمد السقا رحمه الله.. فهذا الرجل له وضعية شديدة التفرد.. بل ما زالت أعماله تردد وأفعاله تلقى الإشادة.. وتحلق في كل الأجواء.

يا الله!.. أعرفه منذ أكثر من عشرين عاما.. هل هذا هو النصيب الذي جبلت عليه الحياة.. لا بد من فراق.. ولم الفراق؟!.. فقد كنت يا محمد نعم المتفائل المتطلع المحب للآخرين.. أو كما قال صديقنا المشترك فهد المطيري: «عنوان السقا التفاؤل ومحبة الآخرين».. كنت أبعد ما يكون عن هاجس الموت.. لكنه قدرك اقترب منك وداهمك بالقدر نفسه الذي كنت فيه قريبا من أفئدة الآخرين، وبمعيار الحب نفسه الذي تكنه لهم.

لغة الموت!.. هي هذه اللغة الصماء التي تنتزع الروح نزعا.. اليقين الذي لا شك فيه، السر الذي يفتخر الوجود بحقيقته المطلقة، وهي أيضا اللغز الذي حار الجميع في فهمه وفك شفرته وملأ المفكرون والفلاسفة والأدباء الكتب في وصفه.. لكنهم لم يقعوا على ماهيته ومعناه.

هو الموت.. لكنه لم يكن من مفردات محمد السقا رحمه الله.. لأنه كما أعرفه لم تكن له تصورات سوداء.. ولا أفكار مظلمة.. عنوانه التفاؤل وجبلته المرح.

حقيقة الإعلام الرياضي قد خسر بوفاته ركنا من أركانه.. بل عصبا من أعصابه الحية النابضة بالإيثار والمواقف الرجولية والكلمة الحق التي لا يعنيها إلا أن تصيب غمامة من معين الحق وينبوع الصدق.

كان الفقيد علما محبا لهذه البلاد يتكلم برقيها ويسعى لخدمتها.. المعلومة الصادقة والنقل الموضوعي هاجسه الدائم.. العمل المتقن هدفه.. ينام على صداه ويصحو على زئيره.

سيظل محمد السقا بيننا بخلقه العالي وببسمته الدائمة و«قفشاته» المثيرة للإعجاب والتآلف.. سنفتقده بيننا كصاحب كلمة حق ومبدأ لم يحد عنه ونهج متماسك وسلوك قويم لم يحد عنه رحمه الله.. لأنها أهم عناوينه الثابتة التي عرف بها وعرف عليها وعلم منها كثيرا من الخلق.. إلى جنة الخلد بإذن الله.

يقول غازي القصيبي رحمه الله:

الموت أن تنتفض الروح على قيودها

تفر من سجانها

وترتمي بشوقها الكبير في خلودها

أن تأخذ العالم في أجفانها

وتبصر الدنيا.. بلا حدودها

والموت أن تحتفل الحياة بانعتاقها

من مسحة الدموع في أحداقها

من الأسى المحفور في أعماقها

والموت فرحة الغريب بالرجوع..

بهجة التائه بالسلامه

ونشوة القطرة بالعود إلى الغمامه

[email protected]