الكرة حالة أمل للسودانيين

محمود تراوري

TT

ما بين حالة ترقب مضنية، وفزع من انفصال الجنوب عن الشمال، وقلق على مصير دارفور، وضيق عيش تحت وطأة حكم توتاليتاري، انفرجت مساحة أمل عريضة، أنعشت قلوب أهلنا في السودان، إثر مباراة بطولية في كوماسي. أداء فذ أجبر أنباء الأشانتي (العالميين) على التعادل مع «صقور الجديان». نقطة من فم الأسد انتزعها «مازدا» وأبطاله في مباراة لم يلعبها السودان بهذا التفوق في التنظيم الدفاعي والذود عن المرمى منذ أمد طويل، مما يجبرك على العودة لتاريخ الكرة في هذا البلد الكبير مساحة وثروات وطاقات، الذي عرف أهله الكرة مبكرا، في فترة يحددها المؤرخون بعام 1883، من خلال الاحتكاك بالمستعمر البريطاني.

تاريخ تأسيس الاتحاد السوداني لكرة القدم يرجع لثلاثينات القرن العشرين، وفي الأربعينات كان انضمامه للاتحاد الدولي، أي أن السودان ضارب في التاريخ الكروي، وكيف لا وهو واحد من أربع دول (مصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا) أسست الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في الخمسينات، واستضاف البطولة الأولى لكأس أمم أفريقيا 1957؟ وفي العام نفسه كانت مشاركته الأولى في تصفيات كأس العالم. أي أن انطلاقة الحضور الكروي السوداني كانت حين كانت كل القوى الكروية الآن في أفريقيا (مثل الكاميرون، ونيجيريا، وغانا، وكوت ديفوار) ترزح تحت نير الاستعمار.

هذه العراقة للكرة السودانية أسهمت بفضلها في تأسيس بدايات الكرة على امتداد الوطن العربي، فالتاريخ الكروي السعودي لن ينسى الوجود السوداني الفعال ممثلا في مدربين ولاعبين وحكام كانوا حاضرين في بدايات الكرة السعودية منذ الخمسينات، فأسماء كزين العابدين وجنجا والتوم جبارة الله وبشرى وأحمد عبد الله وغيرهم كثير، تظل باقية في الذاكرة الرياضية المحلية حتى مطالع الكرة الحديثة منتصف السبعينات حين كان آخر العمالقة حضورا في الملاعب السعودية (مصطفى النقر وعلي جاجارين).

ولكن لعوامل كثيرة متداخلة ومتشابكة تتمحور كلها في الحالة السياسية/ الاقتصادية توارت الكرة السودانية عن المحفل الدولي، ووهنت، وطغى على المشهد فيها ثنائية «هلال ومريخ»، فانطفأت جذوتها، وجاءت من الخلف على مستوى القارة فرق صغيرة اكتسحت المشهد وتصدرته.

وإذا ما رمنا قراءة منطقية، يمكن القول ببساطة إن هذه هي سنة الحياة، فالإنجليز الذين يرجح تاريخيا أنهم مخترعو الكرة تواروا عن المقدمة منذ عقود تنوف على الأربعة.. وإقليميا لدينا الكويت التي كانت تتقدم المشهد الخليجي، بيد أنها توارت منذ آخر مشاركة لها في مونديال 1982 بإسبانيا مع انطفاء الجيل الذهبي لكرتها.

لست أدري الآن هل تعادل المنتخب السوداني الشقيق مع غانا في عقر داره هو حالة عابرة، أم نافذة أمل تنفتح على رغبة في استعادة الأمجاد القديمة لأكبر شعب عربي عاشق ومتيم بالكرة، مثلما هو متيم بالسياسة التي أنهكت واقعه كثيرا؟!