أنتما المثال السيئ

مصطفى الآغا

TT

قبل نحو عشرين عاما شاركت مع الزميلين الراحلين عدنان بوظو وطيب صفوة في كتاب حمل عنوان «أيهما الأسطورة: بيليه أم مارادونا»؟

وقتها لم يكن الاتحاد الدولي لكرة القدم قد اختار كليهما مناصفة ليكونا لاعبي القرن في العشرين في العالم، ولم تكن مشكلات مارادونا «المخدراتية» قد وصلت حد تهديد حياته، ولم يكن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو ضمن المشهد الرياضي آنذاك.

الاثنان بلا نقاش ولا جدال كانا ملهمين للملايين من عشاق كرة القدم في البرازيل والأرجنتين، وبالطبع في معظم أرجاء الدنيا.

قبل عشرين عاما كان مارادونا في الثلاثين، وكان بيليه في الخمسين، واليوم ازداد الاثنان خبرة وحكمة وتعقلا.. لكن الظاهر أنهما يزدادان «ولدنة» وحماقة.

فبعد «هليلة وحفلات الشتائم» قبل كأس العالم، وانتقادات بيليه لمارادونا عندما بات مدربا لمنتخب بلاده، ووصفه بأنه لا يصلح للتدريب، وأنه يمارس هذه المهنة من أجل المال - وهو ليس عيبا برأيي - علما بأن البرازيل خصم ومنافس للأرجنتين، وعيب أن نعطي رأيا في مدرب دولة منافسة لأن ذلك يبدو كمن يتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. وبالطبع لم يسكت مارادونا على الإساءة، فرد عليه قائلا إن مكان بيليه في المتحف، ليرد عليه بيليه مثل الأطفال ويقول إن على مارادونا أن يحسده لأنه لا يملك مثله متحفا باسمه.

ويتواصل التراشق العبثي بين «الأسطورتين»، فبعد خروج مارادونا من تدريب الأرجنتين عاد بيليه مؤخرا ووجه «صاروخا» لمارادونا، عبر الصحافة البرازيلية تحديدا، عندما وصفه بالمثال السيئ.. صحيح أنه لم يقل مثالا سيئا، لكنه قال إن مارادونا ليس مثالا جيدا للشباب، ووصف من يتعاملون معه بقلة الوعي.. إذ قال «إن الله حبا مارادونا بموهبة كرة القدم ورغم كل ما حدث معه فما زال هناك أناس يتعاملون معه، ولو كانوا أكثر وعيا لما فعلوا ذلك».

أي أن بيليه يضع نفسه قيّما على أفعال الآخرين فقط لأنهم تعاملوا مع غريمه التاريخي، ونحن ننتظر رد فعل مارادونا، والذي أظنه آتيا لا ريب فيه.

وللأمانة فكلاهما في هذه الحالة مثال سيئ للشباب، لأنها يغذيان فكرة «التفاهة في التعبير»، والانجرار وراء ردود الأفعال كما يحدث عندنا تماما عندما نشاهد الكبار يصرحون ويخربون علاقات الأندية بعضها ببعض، وأيضا علاقات دول بعضها ببعض، لمجرد تصريح انفعالي «إعلامي» غير مسؤول وغير لائق، وقصة الجزائر ومصر لم ولن تندمل جراحها بعد لدى الطرفين، لأننا حتى اليوم نجد من يلوم الآخر على الشتائم التي لمست لمس اليد أنها ستبقى سنوات طويلة لدى البعض الكثير فقط لأنها جاءت من بعض المعروفين وليس من الناس العاديين.

فاقد الشيء لا يعطيه، وفاقد القدرة على احترام الآخرين لن يكون قادرا على احترام نفسه وتاريخه، ولن يستطيع تنوير الآخرين إذا كان هو نفسه فاقدا للبصر والبصيرة.