الدرس الأوروبي!!

مصطفى الآغا

TT

لست من مشجعي الميلان ولا من عشاق الريال، رغم أن الكثيرين من العرب وقفوا مع الإسبان ضد كل منافسيهم في كأس العالم الأخيرة لاعتبارات تاريخية عاطفية غير موجودة سوى عندنا وليس عندهم..

ومع هذا تابعت بكل اهتمام لقاء العملاقين في دوري أبطال أوروبا وخرجت بدرس أعتقد أنه من المفيد أن أحكيه لمن قد يفكرون في سؤال يؤرق عقولنا، وهو: لماذا الأوروبيون متفوقون علينا فكريا، رغم أننا أصحاب تاريخ وحضارة وعلاقات أسرية حميمة نفاخر بها ونتغنى بمحبتنا لبعضنا البعض إلخ هذه الكليشيهات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فهم تطوروا وتقدموا، ونحن نشتري منهم التقنية والمدنية والعلم والتكنولوجيا.

وبصراحة أقول إنني عندما أتابع «ما بعد» المباريات العربية لا أسمع سوى انتقادات للحكام والحديث عن ثلاث أو أربع ضربات جزاء لم يتم احتسابها، وكأن ضربات الجزاء تُباع بالكيلو أو بالجملة في مبارياتنا فقط.. ولكن ما حدث في مباراة الميلان مع مدريد درس بليغ لكل «المنظرين»..

فالفريق الإسباني كان متقدما بهدف الأرجنتيني هيغواين.. وتصورنا أن النتيجة ستكون لصالح من يدربهم الداهية مورينيو.. حتى دخل العجوز فيليبو أنزاغي ابن السابعة والثلاثين.. نعم 37 سنة ولم يقولوا عنه إنه أكسبايرد أو انتهى مفعوله.. فدخل «كالأسد الهائج» حتى أنه ضرب أحد لاعبي مدريد دون كرة وطنش الحكم الإنجليزي هاوارد ويب على الموضوع، ولو كانت الحادثة عندنا لقامت الدنيا ولم تقعد.. المهم أن أنزاغي سجل هدفين وكاد فريقه أن يفوز لولا هدف الدقيقة القاتلة من بيدرو ليون.. وانتهت المباراة بالتعادل ولم ينشر الفريقان أو مشجعوهما (أعراض بعضهما البعض على بيرق) ولم يتقاتلوا ولم يقولوا إن الهدف الأول لأنزاغي كان تسللا يراه أي «كفيف بصر»، لا بل ذهب مورينيو بنفسه إلى أنزاغي وهنأه على أدائه الرائع وقام بـ«عناقه» حسبما صرح العجوز الذي صار في رصيده 70 هدفا في بطولات الأندية الأوروبية، وقال بالحرف: «أنا أحترم مورينيو وأعرف أنه يحبني ففي السنة الماضية عندما كان يدرب الإنتر وبعد الكلاسيكو انتظرني بعد نهاية المباراة حتى خرجت من غرف الملابس كي يطلب مني قميصي»!!!

هم ينظرون إلى كرة القدم «بالمجمل» على أنها نشاط تنافسي والخسارة فيه لا تعني ذلا ولا تكسير رؤوس ولا حروبا بين دول ولا فضائيات تُسخّر برامجها للنيل من فوز فريق آخر أو تجعلها منابر للردح، فيرد الطرف المقابل بردح أقوى، ونغرق نحن بين الردح والردح المضاد لتُزهق الروح الرياضية بالنيران الصديقة دائما..

في أوروبا تكافئ العائلات أبناءها من الطلبة المجتهدين والمتفوقين بأن يشتروا لهم تذاكر سنوية للأندية التي يعشقون أو لباسا جديدا للنادي، ويقوم الزوج بدعوة زوجته على مباراة بالدوري تعبيرا عن شدة حبه لها، ويمكن أن يُحضر حماته معه لتزداد البهارات في المدرجات.. هذه المدرجات التي لو نظرنا إليها عن قرب فسنجدها أماكن للمرح والفرح والتشجيع حتى الثانية الأخيرة من المباراة، وإن حدث شغب أو معارك في مدرجاتهم يوما ما.. فهو الشذوذ وليس القاعدة..