كؤوس الخليج والإعلام الأصفر

مصطفى الآغا

TT

بالتأكيد ما أقصده بالإعلام الأصفر أي الإعلام السطحي والمبتذل والجارح الباحث عن الإثارة في أتفه معانيها.

وكلمة الصحافة الصفراء كلمة عتيقة في قاموس اللغة العربية ومصطلحاتها الدارجة، وما حدث ويحدث وسيحدث قبل وأثناء وبعد منافسات أي كأس للخليج يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها «سوق رائجة» لراغبي الشهرة والوصول السريع والباحثين عن برامج أو مقالات أو صفحات تجتذب على الأقل فضول الناس - وليس احترامهم – فهي بطولة قد تكون بالمقياس الفني ضعيفة ولكنها بالنسبة للبعض من أبناء المنطقة ومسؤوليها أهم من كأس العالم وكل المطالبين بإلغائها أو بقائها يعزفون على وتر الحساسيات أكثر من وتر الفنيات.

فمن محاسن البطولة أنها الوحيدة «عربيا» المنتظمة تقريبا منذ 40 سنة وهي التي أسهمت في وجود منشآت رياضية في دول لم تكن تفكر في بناء مثل هذه المنشآت لولا استضافتها للبطولة، وهي كانت منبعا لتفريخ النجوم وستبقى كذلك، فلو ظهر في البطولة «حفنة أسماء تعد على أصابع اليد الواحدة» ستكون قد أسهمت في تطور الكرة في المنطقة.

ومن مساوئها أن مقالة واحدة تصدر من «عنتري راغب في الشهرة» يمكن أن تضخ في شرايينها أدرينالين المدافعين والمهاجمين على حد سواء، «فتحمي المسائل» وتزداد نسب القراءة والمشاهدة التلفزيونية وتزيد أسعار الحقوق لتصل كما سمعنا إلى 35 مليون دولار بعدما كانت ببضعة مئات من الألوف.. فهل سأل المطالبون بإلغائها عن أسباب ارتفاع سعر البطولة إذا كانت غير مهمة ولا تستحق المتابعة والمنتخبات المشاركة فيها من الصف الثاني أو الثالث أو حتى السابع؟ ولماذا نتقاتل على الظفر بها؟

وهنا تبدو الأجواء المصاحبة للبطولة والمساحات التي يتم إفرادها ضمن البرامج الحوارية و«الاشتباكية» والتحليلية والمقالات النارية أهم مما يحدث في المستطيل الأخضر، ولو كانت البطولة «هادئة ورايقة» فهي بالتالي لن تجذب كل هذا الضوء الإعلامي، ولهذا يعتقد البعض أنهم يضيفون بعض الفلفل والبهار على يوميات البطولة لتزداد حلاوتها.

بالتأكيد هو عذر أقبح من ذنب ولن أتحدث عن أسماء بعينها، فآخر مقالة على مدونة أحد الإعلاميين في موقع «تويتر» أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى الآن، وبالطبع ما يحدث في البرامج الحوارية من صراخ وعويل وتهويل أمر بات شبه يومي، وصدقوني، تابعت 15 دقيقة من أحد البرامج، ووالله لم أفهم كلمة واحدة مما يقال بسبب صراخ ثلاثة محللين على بعضهم البعض، والغريب أن هناك من التصق بالشاشة يريد أن «يكمل الهجوم الحواري الديمقراطي» حتى نهايته.. وكأننا لم نعرف من الديمقراطية سوى ديمقراطية الصراخ.

وكواحد من المشتغلين بالوسط الإعلامي والتلفزيوني أجد حرجا كبيرا في الحديث عن هذه النقطة، لأن هناك من ينتقدني طبعا وأنا مع النقد البناء من أي جهة يأتي حتى ولو من طفل صغير، لأن العمل الذي يظهر على الشاشة أو في الصحف يصبح تلقائيا ملكا للمتلقي الذي سيحكم إما بالفشل وإما بالنجاح على ما يراه ويقرأه ويسمعه، وباسم الحرية يمكن أن نخرب علاقات دول ببعضها، لهذا يجب التفريق بين الإعلام المسؤول والإعلام الأصفر، ولهذا كانت هذه المقالة حول بطولة جدلية وهو ما نالته بطولة عدن وأبين بامتياز قبل أن تبدأ، وعندما بدأت ولاحظ الجميع أنها ناجحة جماهيريا وتنظيميا غيروا الموجة نحو الأمور الإشكالية فقط، لأن البعض من زملائنا يرونها فرصة للشهرة والظهور على مسرح الأحداث. وللأسف فهم ينجحون فيما يريدون.