لماذا يثرثر السياميون؟

محمود تراوري

TT

يظهر صديق تبرمه مما يسميه «ثرثرة الاستوديوهات» في البرامج الحوارية «السيامية» في القنوات الفضائية. حدثني عن تغافل غالبية المتحدثين عن المعلومة، واكتفائهم بالإنشائيات والأحاديث الركيكة التي تتسم بعمومية الطرح وأحيانا حماقته، ثم يتنهد ليؤكد أنه لا يلومهم، كون هذه إمكانياتهم الذهنية والمعرفية، قدر ما يلوم القائمين على مثل هذه البرامج التي تكرس كثيرا من السذاجة الإعلامية.

أكبر امتعاض لصديقنا المحرور (وهو بالمناسبة متقاعد ما يجعله ممتلكا لفائض من الوقت يقضي جزءا منه في متابعة التلفزيون) كان بالأمس، وأحد نجوم الكرة السعودية في عهد سابق (محلل فضائي طبعا الآن)، يتحدث عن مازيمبي بفقر معلوماتي شديد لم تستره الإنشائية التي كان يتشدق بها، بينما زميله (التونسي) في ذات الاستوديو كان ينطلق من قاعدة معلومات ومعرفة بالفريق، وإدراك لماهية ومعنى أن أخاطب رأيا عاما عبر وسيلة إعلامية.

قبل أمس نشرت الشرق الأوسط تقريرا جميلا كشف للقارئ ما ومن هو مازيمبي. كان التقرير عاجّا بالمعلومة، التي قدمت الفريق أنموذجا للمشروع الاستثماري رياضيا، الذي يتماهى جدا مع أمنيات خصخصة الأندية السعودية، وهو المشروع الذي لن ينجح ما لم تتهيأ له أرضية وبنى تحتية، يعوزها أي نشاط اقتصادي إنساني منطلق من رؤى واضحة وسليمة ونزيهة أيضا.

وهو ما ذكرني بافتتاحية لرئيس تحرير مجلة «العربي» الكويتية الدكتور سليمان العسكري، كتبها في أبريل (نيسان) 2010 الماضي بعنوان «الرياضة بين التنمية والتجارة»، منطلقا من مفارقة لافتة تتمثل في احتلال الرياضة حيزا كبيرا من اهتمام الناس على اختلاف مشاربهم وثقافتهم وفئاتهم العمرية، لكن بدلا من كونها وسيلة من وسائل التمنية البشرية والصحة والتنافس والمتعة وتحقيق الأهداف الاجتماعية الخاصة بتنمية الثروة البشرية، إذا بها تتحول، في عصر العولمة، إلى لون من ألوان التجارة الفجة، سواء من خلال الملايين التي يتنقل بها لاعبو كرة القدم الدوليون من فريق إلى آخر، أو بفضل المراهنات بملايين الدولارات على كل نشاط رياضي في العالم تقريبا، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الوضع العربي الذي يهتم أفراده بمتابعة الرياضة بشكل يقارب الهستيريا. بينما تنعدم الثقافة الرياضية وممارستها في العالم العربي بلا استثناء.

تأرجح الثقافة والمعرفة بين الضعف واللاوجود هو الذي يجعلنا على مدى عشرات السنوات نلوك كلاما إنشائيا برسم الأحلام والأمنيات، بل ونعجز أحيانا حتى عن استيعاب التجارب الإنسانية الأخرى في شتى بقاع العالم، لنكتفي بالجعجعة السمجة في استوديوهات الفضائيات، ثم نكملها في وسائط شبكة الإنترنت. ولا شيء يتغير بما هو جوهري ولافت ومثير، ومطمئن على مستوى المستقبل.