كرة قدم حربية

أحمد صادق دياب

TT

قبل سنوات بعيدة كنا نمارس كرة القدم ونستمتع بها، ولم ننظر إليها على أنها أسلوب حياة أو مهنة يمكن أن نمارسها، هكذا كنا قبل أن يمضي بنا قطار العمر لنصبح متابعين لهذه الكرة الساحرة، وتشكل نوعا من الهاجس الجميل، أو إن شئت أصبحت ميدان حياة ليس للاعبين ولكن للنقاد والإعلاميين بمختلف توجهاتهم.. وتحولت هذه اللعبة الساحرة، بقدرة قادر، إلى مصدر عيش للآلاف من الناس في كل بقاع الأرض.

هل يمكن لهذا التحول الجذري أن يصب في مصلحة اللعبة نفسها؟ سؤال كثيرا ما أرقني، ولم أجد إجابة شافية لهذا التساؤل المحموم. فحتى في الغرب الذي تطورت فيه الكرة وأسرتنا بقوة التنافس، يؤكد العقلاء من النقاد أن الحمى التي حولت اللعبة إلى صناعة مالية من الدرجة الأولى أغفلت الكثيرين عن النظر إلى التحول الجذري في نظرتنا تجاه اللعبة، حيث أصبح التفوق بها لا يعني فقط إجادة التصرف وإدارة المباراة بشكل مبدع، بل تحول إلى نوع من الفخر والاعتزاز بالنفس وتحول التنافس إلى كراهية مبالغ فيها، وأضحت «الميكافيلية» عنوان اللعبة حتى من خارج الملعب.. وانتقلت من أسلوب مقارنة وتعارف إلى معركة يمكن أن تسيل خلالها الدماء بين اللاعبين والجمهور والدول.

في كتابه المعنون «كرة قدم حربية» يؤكد الباحث سيمون كولني أن كرة القدم الحديثة لم تعد لعبة، بل أصبحت أداة حربية تتسابق الدول في التسلح بها لتحكم قبضتها على مشاعر الملايين في مختلف بقاع الأرض. ويشير إلى أن اللعبة بشكلها الحالي تنذر بما يشبه سباق التسلح، وأصبحت الأداة الإعلامية الأكثر حدة في نقل ثقافة الشعوب وتقاليدها عبر المعمورة وكأنها نوع جديد من الاستعمار الذي يعتمد على العاطفة والإعجاب والتعلق.

إنه عصر نحتاج خلاله إلى أن نتعامل مع الفعاليات الرياضية بنظرة شمولية تعتمد على أنها نوع من الدعاية السياسية ونوع متقدم من العلاقات العامة.

وحتى نتمكن في العالم العربي من تقديم أنفسنا من خلال آلة الإعلام الحديثة «كرة القدم» وتحسين صورة العرب المهزوزة في أذهان الكثيرين، أعتقد أن علينا أن نغير من نظرتنا القاصرة إلى كرة القدم، وأن نبدأ في تصورنا لها على أنها صناعة حديثة وتحتاج إلى أن نضخ فيها الأموال بشكل مجزٍ، وأن لا نكتفي أبدا بأن تكون مصروفاتنا على الكرة قائمة على أضيق الحدود. وأول من يجب أن يغير نظرته هذه هي وزارات المالية في عالمنا العربي التي ما زالت ترى في كرة القدم لعبة لا تستحق أن تحصل على موارد إضافية، فكرة القدم صناعة حديثة لا يمكن قياس آثارها إلا بعد حين وبنظرات مهيأة لقبول التغيير.

يكفي أن نقول إننا نعيش عصر كرة القدم لنتمكن من التعامل مع كرة القدم بشكل يتناسب مع مكانتها في حياتنا المعاصرة.