إنها ليست أزمة كرة يا قوم

محمود تراوري

TT

سيجري النظر إلى إخفاقات المنتخب السعودي الأخيرة - نرجو أن تكون أخيرة - على أنها إخفاقات كروية، وسيجري العمل على معالجتها على أساس كروي كما اعتدنا.. لكن المشكلة الأساسية ليست كروية أبدا.. إنها مشكلة ثقافية ذهنية في المقام الأول.. مشكلة مجتمع سكوني بالمطلق.. مجتمع يقاوم التغير.

من خارج الوسط الرياضي يختصر الكاتب والقاص عمرو العامري تشخيص الإشكالية. تلك الإشكالية التي أزعم أن أقرب توصيف لتكرار الكلام حولها وإعادة إنتاجه بذات الرؤى الانفعالية والطروحات العاطفية، يرجع لنهائيات مونديال فرنسا 1998، وما تلاها من إخفاقات في أمم آسيا لبنان 2000، وكانت الطامة الكبرى في مونديال 2002 وكارثة الثمانية التي توقع وانتظر الكثيرون أن تكون بداية التغيير الشاملة والجذرية لتصحيح مسارات الكرة السعودية.

كثر الكلام وقتها، وتداعت الأفكار والمقترحات.. شكلت لجان، وكبرت الأماني والأحلام، لكن استمر المؤشر يتراجع، والتخبط يتسع، لأن الغالبية - خاصة من بيده القرار - تبادر إلى المسكنات والدوران في حلقة مفرغة بمعزل عن أس المشكل.

يقول صديقي العامري إن مشكلة المنتخب السعودي تعكس مشكلة مجتمع. تطورت باقي المجتمعات وبقي هو عند نقطة معينة.. بقيت ثقافته عند نقطة معينة.. بقيت بنيته التحتية عند نقطة معينة.. وبقي كل شيء فيه عند نقطة معينة، بينما مضت باقي المجتمعات نحو آفاق أخرى.. وما كرة القدم إلا مقياس واحد من مقاييس كثيرة.. غير أننا لا نراها أو لا نحاول أن نراها.. ونعالج كل شيء بمنظور الرمل والنعامة.

والذين يسافرون مثلا من مطار جدة أو الرياض ثم يهبطون في مطار دبي أو الدوحة أو القاهرة، سيجدون البون الشاسع بين ثقافتين وعالمين وحياتين، إحداهما تركها في جدة أو الرياض وأخرى يقابلها حيث يهبط، وهذا الفريق أو هذا المنتخب هو نتاج هذا المجتمع لا أكثر.

طبعا ستحل لجان، وتشكل لجان أخرى، ويبري كتاب الصحف أقلامهم.. وستأتي أسماء تدريبية كروية أخرى.. ومن بقي لم يأت؟! مَن مِن أشهر مدربي العالم لم تطأ أقدامه ملاعبنا؟ لكن النتيجة لن تكون مختلفة كثيرا، إن لم تتغير الرؤية والاستراتيجية، وتتجدد آليات العمل والخطاب، وتسود النزاهة وتعلو الشفافية والانضباطية، ويحجم الأميون والانتهازيون والأفاقون والدجالون الذين يعنيهم استمرار الهشاشة والركاكة وضحالة التفكير، لأن الجدية والعلمية إن حضرت وفرضت نفسها خسر سوقهم، وطردوا إلى خارج اللعبة.

سنتفاءل بالآتي إن وعينا جيدا فكرة أننا دائما نعالج المرضى ونترك المرض.. نعالج الظواهر ونترك المسببات كما في كل قضايانا التي تلوكها الصحافة منذ عقود (نهمهم بالقول ولا فائدة).

العامري يصر على أن أزمتنا كبيرة.. وأنها ليست أزمة كرة قدم.. لكن كرة القدم تعرض تحت الأضواء وعلى فضائيات العالم.. وتباح لها هوامش كبيرة من الكلام المباح، الذي يصل حد العظم تحت اللحم، لكنه يجعلنا ننز دما من دون أن يطال العلة.

يا ترى ما هي العلة؟