مبروك للهلال مقدما

محمود تراوري

TT

«مبروك يا مكاوية التأهل، لكن أتمنى لا يروح خيالكم بعيد شوي».. رسالة نصية بعث بها من الرياض، فور نهاية مباراة الاتفاق والوحدة، الزميل حسين الحربي. تبسمت، وأنا أعي جيدا الفروق الهائلة (فنيا) بين الوحدة والهلال. تابعت لقاء نصف النهائي، برفقة بعض الأصدقاء، واتفقنا على تردي المستوى الفني للفريقين وبدائية وعشوائية الأداء ولم ينجح معلق المباراة في إيهامنا بأن هناك أداء كرويا فاتنا.

بينما على صفحته في «فيس بوك»، راح الكاتب الروائي صلاح القرشي يحتفل بطريقته الخاصة وقال نصا: «والله زمان، الوحدة على نهائي الكأس، مبروك لكل أهل مكة؛ لأن أهل مكة وحداويون مهما شجعوا أندية أخرى.. وشربة من زمزم وسقاني».. والجملة الأخيرة مقطع من أغنية خالدة كتبها ولحنها وغناها الموسيقار السعودي القدير غازي علي منذ نصف قرن، تغنى بها بالأمس رئيس الوحدة جمال تونسي بعد المباراة بعفوية باذخة على شاشة القناة الرياضية.

في عام 1990، كانت هناك فرصة للوحدة للوصول إلى نهائي كأس الملك حين التقى التعاون في نصف النهائي بمكة، لكن فاز التعاون بهدف برجس القاتل. وضاع حلم الوحداويين يومها. لكن اليوم يتحقق لهم حلم آخر.

منذ أمس وحتى موعد المباراة النهائية، ستفيض الصحف أنهارا من الكتابات التي تتغنى بالوحدة، ستسكب أحرف محبة تتعاطف مع الفريق الذي كان أحد صناع التأسيس ثم توارى بعيدا، وتفرق شمل وجمع محبيه بين الأندية، وباتت المواهب التي تبزغ فيه تود الفكاك منه؛ لأن الأجواء فيه لا تشجع على الإبداع والاستمرار في التألق، لأسباب كثيرة خاضت فيها الصحافة حد الملل.

اليوم ربما يزعج كثيرا من الوحداويين أن تخرج مقولة «وحدة التونسي»؛ ذلك أنها عبارة تخرج من آلية تفكير «عبادة الفرد»، والنادي لن يتمكن من استثمار هذه العودة التاريخية إلا بتكريس فكرة المؤسسة؛ إذ يكفي ما ضاع من سنوات في تقديس الفرد منذ رحيل الراحل عبد الله عريف، يرحمه الله، قبل نحو 4 عقود.

في هذا التأهل يمكن لأبناء مكة أن يمزقوا كل أوراق الإحن والتفرقة، ويلتفتوا جديا لنادٍ يفترض أن يكون أحد عمالقة الرياضة في السعودية، ليس الرياضة فحسب؛ فهو النادي الأول سعوديا، الذي كان له حضوره في كل النشاطات الشبابية فنا وفكرا وثقافة؛ إذ يكفي أنه ينتمي لأم المدائن التي شع منها النور، وكانت أولى وأهم حواضر الجزيرة العربية.

هل يمكن أن يحدث هذا؟ حتى إن كان البون شاسعا (فنيا) بينهم وبين الفريق الكبير الهلال، الذي لم أتردد في أن أقول لصديقي الحربي (مبروك) مقدما، إلا إن حدثت المعجزة، وبث التفاف المكيين حول فريقهم شيئا من الاعتداد بالذات والثقة في نفوس لاعبيهم، ليجلبوا شيئا عصيا عز عليهم طوال سنوات الفرقة والتشتت.