ثقافة رياضية هشة!

عبد الرزاق أبو داود

TT

تُعرّف الثقافة بأنها تراكمية معرفية، وهي كذلك «مجاميع» المعارف والعلوم والأخلاق والمعتقدات والعادات والتقاليد والمبادئ والأعراف والسلوكيات التي تتناقلها الأجيال عبر الحقب الزمنية، هي إذن معرفة «شمولية» خبرها البشر ضمن قواطع وأنساق متعددة. ربما يكون هذا مقبولا إلى حد ما في رأي المهتمين بهذه المحصلة الإنسانية الحضارية الكبرى.. فبعضنا ينظر إلى الثقافة كعناصر متشابكة تتصل بالقدرة والتمكن والإجادة في حقل متخصص.. والثقافة بعامة بحر متلاطم الأمواج، بعيد الأغوار، لا يدرك أقاصيه ومكوناته شخص متفرد.

الثقافة عبر بعدها الإنساني المطلق، بعيدا عن خصوصيات متناثرة، هي، كما أسلفنا، تراكم معرفي عابر للأجيال والأوطان، له تفرعات لا يمكن حصرها. وإذا كانت الثقافة الإسلامية العربية هي أسمى ما ارتفعت إليه البشرية عبر تاريخها.. فإن هذه الثقافة المتجددة والقائمة على أسس راسخة تلقت الضربات من بعض المنتمين إليها! ولعل «ثقافة كرة القدم» مثال بسيط على هذا التوجه، فنظرة دقيقة لما يدور في وسطنا الرياضي تشي لنا بثقافة رياضية هشة.. متداعية.. قائمة على التحريض.. موغلة في الاستصغار!

عودا إلى الثقافة والأندية الرياضية السعودية، فإن تجارب هذه الأندية في المجال الثقافي ظلت محدودة الفائدة، وقاصرة عن تلمس الحاجات الحقيقية بتركيزها على جوانب ثقافية لم تكن الأندية أصلا مهيأة للتفاعل معها بالشكل الصحيح، ومن ثم كان من الضروري إسناد مسؤولية الأنشطة الثقافية إلى وزارة الثقافة والإعلام، غير أن هذا التوجه لا يمكن أن يحجب الدور الذي قامت به الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ولو جزئيا، فقد كانت هناك جهود طيبة في هذا المجال، سواء من حيث الأنشطة المباشرة، أو من خلال تشجيع الأندية الرياضية والثقافية. أما الأندية الرياضية، فإن اهتمامها بالجانب الرياضي يطغى على ما عداه، وهي بالكاد تستطيع الإنفاق على أنشطتها الرياضة؛ فما بالك بمطالبتها بتفعيل الأنشطة الثقافية، خاصة في ظل افتقارها للموارد المالية أو الكوادر المؤهلة، ناهيك عن الكيفية «المتعالية» التي ينظر بها بعض من يطلقون على أنفسهم «مثقفين» إلى الرياضة ومنسوبيها عموما!

لندع الأندية تمارس الرياضة كما تزعم، وتحاول اتخاذ طريقها نحو مستقبل أفضل، وبالتالي تطوير أداء لاعبيها وفرقها، والإسهام في إمداد المنتخبات الوطنية باللاعبين الأكفاء لا أنصافهم كما هو حالنا بالسنوات الأخيرة، ومما يجدر ذكره أن الأندية الثقافية كرصيفاتها الرياضية تعاني هي الأخرى من قضايا وأزمات جلية، أبرزها الصراعات على كراسي مجالس الإدارات، وعدم توفر الموارد المالية الكافية، وقد نشرت الصحف الكثير عن ذلك، ولكن صرحاء مع أنفسنا.. فالرياضة جزء من ثقافات الأمم، وللثقافة بعامة مجالاتها الأخرى الواسعة، وأطرها وأنشطتها وتعريفاتها وتوجهاتها المختلفة المتشعبة التي لا يمكن احتكارها من قبل جهة ما، فلكل منا «صبغته الثقافية» الخاصة ضمن مسارات عامة أشد اتساعا وتنوعا، ولعل الأندية الرياضية تنجح في المجال الرياضي، فهذا وحده يعتبر إنجازا، ولو جزئيا.