الضلال ومنجز أحمد

محمود تراوري

TT

«يرتكب المرء أخطاء، يضل سبيله. وإذا استطاع أن يرى أن تقدمه غير المطرد تجربة من نوع ما، من دون أن يرغب في أن يجازف بالمستحيل، عندها يمكن بلوغ نوع من الهدوء والسكينة. لا يمكن أن يحدث شيء مهم من دون جرأة وإقدام».

هكذا كان بطل رواية «الحميمية» للبريطاني حنيف قريشي، يحدث نفسه في «مونولوغ» طويل، لم يكن لاعب كرة، لكنه كان عاشقا؛ لذلك لم أتردد في اعتباره - في هذا المقطع - شبيها بأحمد جميل؛ إذ تذكرت بداياته منتصف ثمانينات القرن الماضي، رابطا بينه وبين التماسك الرهيب الذي بدا عليه في حفلة تكريمه التي تأخرت أكثر مما ينبغي، مما يجعلنا نفكر بعمق في الرأي اللافت الذي أطلقه فراس التركي حين ذهب إلى أن «مباريات الاعتزال أصبحت موضة قديمة وفي حكم الميتة»، أو هكذا قال.

هدوء وسكينة وأنفة كست ملامحه، وقبلا مارس جرأة، بتغافل بعض أعضاء الشرف بحسب ما نشر، في تأكيد صريح على استقلاليته التي ميزت مسيرته الناصعة.

حين يحضر أحمد جميل من غياب أكثر من 10 سنوات، وقبله يحضر من الغياب ذاته غازي عسيري، وقبلهما ماجد عبد الله، ومعهم كان يفترض أن يحضر محمد أبو عراد بعد غياب أكثر، لا بد أن تتوقف مليا أمام رأي التركي، وتساؤل عن أشياء كثيرة في «علم» الإدارة الرياضية لدينا، وفي آليات التفكير التي تسير هذا العمل، وحجم الضلال الذي يسير فيه.

بعد تكريمه بأيام قلائل ظهر غازي عسيري في الصحافة يشكو ويعلن تذمره من «أكاذيب» أهدته مادة «عينية أو نقدية» تقيه بؤس الحياة؛ لأنه فات عليه إبان نجوميته تذكر أنه سيغادر المشهد يوما ما، وأن بدنه - حسب تعبير رونالدو الجميل - سيرفض استمراره وإن شاء عقله، وطغى عليه شغف الميدان.

كثيرون من اللاعبين يشبهون غازي، ولك أن تعد ما شئت من لاعبين، صاروا يظهرون في الإعلام بين وقت وآخر، يبثون شكواهم وهمهم وينثرون أحزانهم عبر الشاشات، وحالتهم تدعو للتعاطف مع واقعهم بعد أن انتهت أدوارهم، وبعد أن سهوا - في غفلة - عن أن لاعب الكرة عمره قصير في الملاعب، وأن الملايين سيأتي وقت تتوقف فيه وفي غمضة عين.

بطبيعة الحال وضع جميل مختلف كليا عن غازي ومن يعيش ظروفه الصعبة. لكن ما سمي مباراة الاعتزال وكما قال كثير من الزملاء وعلق كثير من المتابعين والمحبين في ممرات الشبكة العنكبوتية، جاء باهتا لا يليق بمنجز أحمد، الذي سيبقى إحدى الأيقونات الخالدة في الذاكرة الاتحادية.