ملايين البنكنوت!

عبد الرزاق أبو داود

TT

لماذا يفشل لاعب وينجح آخر في أي لعبة ما؟ لماذا يحوز بعض اللاعبين القدرة على تسجيل الأهداف والمراوغة والتمويه والدفاع وصنع الفرص وصد الهجمات على المرمى ويفشل آخرون رغم أنهم يملكون سمات جسمانية وذهنية متقاربة؟ تساؤلات مطروحة ولا يمكن الإجابة عنها دون تمحيص. يرى بعض الخبراء التربويين الرياضيين أن «الموهبة وتطويرها هي الأسلوب الأمثل» لمعرفة الإجابة الملائمة، ومن ثم الحكم على اللاعبين وكيفية اختيارهم وتعيين إمكاناتهم ومواهبهم ومدى الاستفادة منهم، مقابل الأسلوب العشوائي الذي يعتمد في بعض الأندية، فبعض أنديتنا أصبحت تسجل «أرقاما» مخيفة في الإخفاق في اختيار اللاعبين الموهوبين لشغل مراكز محددة.. وبالتالي تكبد خسائر كبيرة تؤدي إلى البحث العشوائي عن آخرين عبر الوسطاء الذين تحول كثيرون بينهم إلى خبراء فجأة! لا نتهم فريقا بذاته هنا.. ولكن قضية اختيار عناصر موهوبة أصبحت «ظاهرة كروية سعودية».. إلا أن جحدها لن يتسبب في اضمحلالها وتوفير ملايين البنكنوت الأميركي الأخضر، وعليه فلا بد من معالجتها.

الموهبة حزمة سمات مختلفة تضم أشخاصا يزاولون نشاطا معينا، ومن ثم لا يوجد لاعبان متشابهان في موهبتهما مهما حاولنا أن نطرح من مبررات.. هناك فروق وتوافق على سمات معينة للموهوبين كرويا، وهذا التمايز هو الذي يمكن من خلاله الحكم على درجة الموهبة المتوافرة لدى أي لاعب.. تخدعنا بعض اللقطات من الأداء الذي تلعب فيه عوامل مختلفة تأثيرا كبيرا على عملية تقديرنا لموهبة لاعب ما.. ولكننا على مدى أطول سنلحظ عيوبا فنية وحركية لدى اللاعبين.. عيوب غفلنا عنها في لحظات تجلى فيها هذا اللاعب.. وتفوق آخر على قدراته الحقيقية.. أو أخفق غيرهم في تقدير مواهبهم بشكل سليم.

المختصون في التربية البدنية وخبراء كرة القدم بمقدورهم قياس الموهبة كقياس نسب الذكاء بين الناس، وبالتالي فإن استخدام مثل هذه الأساليب يمكن أن يوفر المال والجهد والوقت.. والأدوات العلمية والمختصون موجودون، ولكننا اتجهنا إلى أنفسنا كوسائل «جاهزة» ناضرة للتعرف على وتقييم مواهب اللاعبين في كرة القدم ثم الهروب إلى الأمام، واختراع وادعاء المبررات لإخفاقنا في الاختيار لأننا لم نتبع الأساليب الصحيحة في الأساس.

لدينا عدد جيد من المختصين الذين يستطيعون أن يختاروا اللاعبين الموهوبين والمراكز التي نحتاج إليهم فيها! بحيث لا تخسر أنديتنا الكثير من الأموال موسميا.. بعضنا لا يتعظ.. ويعاود الكرة كل موسم.. والأمر ينطبق على معظم الأندية المحلية التي يتوجب عليها أن تعيد النظر تماما في كيفية اختيارها للاعبين الموهوبين وتحديد المراكز التي يشغلونها بطريقة منظمة.. هذا إذا كانت تدركه!.. لقد ولى زمن العشوائية والانطباعات والرغبات الشخصية.. فنحن نعيش في بداية «عصر الاحتراف» الذي يحتاج إلى سنوات حتى يشتد عوده.. ويتخلص من المعوقات والرواسب وسوء «الفهم» وضعف الوعي بمضامينه الحقيقية.. حتى نستطيع القول بأن لدينا كرة قدم محترفة متطورة.. ولا غضاضة في الاستفادة من أهل العلم والخبرة.. فالعالم المتطور كثيرا ما يفعل هذا.