الأندية الريدنية

محمود تراوري

TT

أواخر الثمانينات الميلادية وتحديدا في موسم 87/ 88، سجل صعوده الأول للدوري الممتاز لكرة القدم منذ تأسيسه عام 1951 كأحد أقدم أندية واحة الأحساء، الواقعة هناك، حيث أجمل الثغور الباسمة في أطراف الجزيرة. فاستحق أن يطلق عليه لقب «الشيخ»، مثله مثل شيخ الوسطى (الشباب) أو ما يطلق عليه العميد (الاتحاد).

هذا الشيخ الأحسائي، لم يبق طويلا في الممتاز. لا أتذكر كم استمر، لكني أتذكر جيدا أنه لم يختلف عن غيره مما كان يسمى سابقا «الأندية الريفية»، وهذه التسمية طريفة، إذ يبدو أنها كانت وليدة حقبة بدايات تكون الدولة السعودية الحديثة، إذ لم تعرف الأندية إلا المدن، التي كانت بنيويا - بمعيار المدنية الحديثة - معدودة على الأصابع، تتقدمها سيدة المدائن وأم القرى، مكة، وإلى جوارها عاصمة الإسلام الأولى طيبة الطيبة. مع الوقت عرفتها المدن الصغيرة (الأقرب إلى الريف)، فظهرت التسمية في إطار تنظيمي أكثر منه توصيفي. بدلالة أن أندية تنتمي لمدن كبرى، لكنها تصنيفيا تحسب ناديا ريفيا مثل الكفاح (حراء) في مكة، و(الربيع) في جدة، القابع حاليا في مؤخرة ترتيب دوري الدرجة الأولى، الذي يعتلي صدارته (شيخ أندية الأحساء)، بل حقق الصعود قبل نهاية الدوري بأربع مراحل، مسجلا إنجازه لثالث مرة، بعد أن كان الثاني موسم 97/ 98، أي بعد 10 سنوات من أول صعود، ويجيء الصعود الأخير، ليلفت الانتباه أن «هجر» يصعد كل 10 أعوام، ثم يغادر.

منذ انتهاء أحدث تصنيف لفرق كرة القدم بالأندية السعودية وبداية بطولات الدوري 1977. كانت أغلب الأندية التي تصعد للممتاز ثم ما أن تلبث أن تعود أدراجها، هي تلك الأندية الريفية، ومن بينها أندية كانت عريقة، تشكل تصنيفا خاصا يمكن أن نسميه «الريدنية» اشتقاقا من الريف والمدينة، فهي تجمع بين التفكير الريفي والانتماء المدني كوجود، أي أن آلية إدارتها لا تنتمي أبدا للفكر المدني، يتقدم هذه الأندية الوحدة، وينضم إلى جواره «الرياض، أحد، الأنصار، القادسية»، ولعلك تلاحظ أن هذه الأندية عريقة، لكنها فقيرة، مبتلاة دائما بالهبوط، كبواتها كثيرة، ضجيجها في الإعلام حول الخلافات والمصادرات وربما التفاهات، أكثر مما هو حضور إنجازات ونجاحات، ذلك أن نجاحاتها محدودة، وطارئة، عابرة أشبه بالطفرات الجينية.

حين يصعد هجر من جديد للممتاز، لا بد أن نتذكر بكثير من الحسرة ونتساءل بحيرة هل صعوده، مثله مثل صعود «الروضة، الكوكب، الجيل، الفتح، الشعلة، الوطني، النجمة، العربي، الطائي، الجبلين، ضمك، أبها، التهامي، الخليج»، يمكن أن يكون شيئا طبيعيا في عالم الكرة؟ وأن هذا هو إيقاع الحياة، صغير وكبير، غني وفقير، سليم ومريض، لئيم ونبيل، حقير وأمير.. عد ما شئت من ثنائيات.