بين الوطنية.. وكراهية المنافس!

مساعد العصيمي

TT

جمعتني مناسبة اجتماعية مع أكاديمي سعودي يشغل منصبا اقتصاديا مرموقا.. كان الحديث عن كرة القدم.. وبدا أنه من المنتقدين للسيطرة الهلالية على البطولات وسط تطلع منه أن لو كان الأمر بيده لقام بحل نادي الهلال وتوزيع لاعبيه على الأندية الأخرى كي ترتقي وتتسع المنافسة.

تلك توطئة قد يكون فيها زميلنا الأكاديمي الاقتصادي مازحا مبالغا.. لكن يبدو أن مثل ذلك توجه متغلغل لدى مشجعي كرة القدم محليا.. بل إن الأمر يتجلى لدى بعض مسيريها.. بحيث إن إظهار الكره للمنافس أقوى وأعلى درجة من التعبير عن حب النادي المفضل.. وعليه لم أستغرب أن يتم تداول مصطلحات متناثرة.. خلال زمننا الحالي تفضي إلى محاولة التفريق بين الوطنية وكره المنافس المحلي وتمني خسارته خارجيا.. الأمر موجود وإن تشدق البعض ببعض الكلمات المجاملاتية.. لكنه تمن قد يصل إلى زوال المنافس، ناهيك بالدعاء بخسارته باستمرار.. نقرأ ذلك وسط عبارات التشكيك والانتقاص والبحث عن المخلات.

أعود إلى التعارض بين المواطنة والتشجيع، وهو محور الحديث وأساسه فكلنا يدرك أن الوطن ليس له موقع إلا القلب عند الجميع «إلا من شذ عن القاعدة»، وعليه فتفضيل من ينتمي إليه ينطلق من أحاسيس عنوانها المحبة والانتماء.. لأن الوطن كيان ومعنى يشمل كل شيء.. الحاضر والمستقبل والماضي والبشر والمكان والتاريخ.. وقد تحب جزءا من هذا الوطن أكثر من بقية الأجزاء.. وعليه فالمتعاركون لأجل كرة القدم هم في إطار تنافسي محدود.. الأكيد أنهم يتجاوزون الفرقة إذا كان التعبير عن الوطنية وفق مفهوم أكبر.. لكن وفق ما يجري محليا في تنافس الأندية نؤمن بأن ثلة منا هم من يصنع البغضاء من جراء الافتراء القائم.. ولو كانت السلوكيات تؤمن بأحقية الآخر وتفضيله حين يتفوق، فالأكيد أن المصالحة مع النفس ستحضر حين يشارك خارجيا لتتوارى أمنيات التراجع والدعاء بالخذلان له.

عفوا لست هنا ممن يضع أسسا للتعامل والانتماء، لكن ذلك هو ما علمناه وتعلمناه.. لكن بصفة عامة فميادين كرة القدم عالميا ولدى أولئك المتفوقين أوروبيا هي في الإطار نفسه.. ولا أحسب أن أنصار الريال يتمنون فوز برشلونة بالكأس القارية.. وكذلك ما بين الأهلي والزمالك.. وشخصيا وقفت تماما على ذلك في ما بين مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي. وبعد فهل نستغرب ذلك على الأندية السعودية كالاتحاد والهلال والنصر؟.. هي منظومة قائمة.. لكن ما نختلف عليه هو عنوان الافتراء على المنافس والكيد عليه.. والبحث عن كل ما يخل به.. من رفض أي منجز له من واقع كراهية.. بل وعدم التعامل مع أي مؤسسة اعتبارية معنية بالتفضيل والترشيح أقدمت على تتويجه. ما نعنيه أن الأمر حينما يدخل في حيثيات الكره والبغضاء واتخاذ موقع العداء السافر.. فتلك هي المصيبة، ليتمثل لنا الأمر بالاختلاف الذي نقصده بيننا وبين الآخرين كما هي الأمثلة المطروحة، فالأمر هنا مختلف.

نتحدث هنا عن التعصب الضيق.. المنهي عنه دينا وعرفا.. لأنه من نوع ينشر العداء ولغة الخصام.. ويفضي إلى الكره والرفض!.. وبعد فكيف يرجى لمجتمع كروي رياضي هذه حاله أن ينهض من كبوته سريعا ليعانق آفاق التفوق؟!.. بل كيف يرجى ممن عنون البغضاء ورفض كل ما يتعلق بالمنافس أن يتجاوز كبوته؟!.. لن يستطيع أن يفعل.. لأنه مشغول بغيره عن نفسه!

[email protected]