الرشوة في عيون الرمز

مسلي آل معمر

TT

أثناء حوار أجريته مع الرمز الراحل الأمير عبد الرحمن بن سعود - يرحمه الله - عام 1999، طالب بأن يؤدي الحكام القسم عند انخراطهم في سلك التحكيم، فرددت عليه بسؤال: لماذا نثير الشكوك حول أمور مستبعدة الحدوث في وسطنا الرياضي؟ وهنا جاء تعليقه الذي لا يزال عالقا في ذهني، حيث قال: «نحن لا نعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة، ولو أن هذه الأمور غير محتملة الحدوث لما سن الإسلام حدودا للسرقة والرشوة، فلا يوجد إنسان معصوم من الخطأ». كانت تلك كلمات رجل تمرس في الرياضة لمدة لا تقل عن أربعين عاما، وأعتبره أحد أبرز مدارس الفكر الإداري الرياضي في الخليج. وبالمناسبة، فإن (أبو خالد) - رحمه الله - ظل يطالب بإصلاحات معينة في الرياضة لسنوات طويلة دون أن يجد التجاوب المطلوب، كان من أبرزها إنشاء هيئة لفض النزاعات الرياضية، ومنح تسويق حقوق النقل التلفزيوني للأندية، كما كان يطالب وبشدة بوجود الحكم الأجنبي.. والحقيقة أن بعض هذه المطالب تحققت في السنوات الأخيرة بإلزام من الاتحادين الآسيوي والدولي، والبعض الآخر لا يزال قيد الانتظار.

ما ألاحظه الآن أن هناك من يحاول نفي احتمال وجود فساد ورشى في الوسط الرياضي، وكأن جميع المنتسبين إلى هذا الوسط معصومون من الخطأ. وعلى هذا، أتوقع (وليس كل التوقعات تصيب) أن تدفن قضية الاتهامات لنادي الوحدة واللاعب تركي الثقفي وتقيد ضد مجهول لكي لا تثبت حالة فساد في الرياضة السعودية، على الرغم من أن الأدلة التي ظهرت على السطح تعتبر أدلة قوية، خصوصا أن المبلغ أودع في حساب جابر العامري، فمن الذي تكفل بذلك المبلغ ولماذا دفعه؟

من الظلم أن نصدر حكما قاطعا في هذه القضية بناء على الأدلة التي ظهرت، لأنها لا بد أن تخضع للتحقيق والتمحيص للتأكد من سلامتها، لكنني أظن أنه في حالة إحالتها إلى الجهات الأمنية لإثبات المكالمات وتوقيتها بين الثقفي والأطراف الأخرى، فإن صحة الاتهامات من عدمها ستتبين، وبالمناسبة فإن أكبر إدانة سجلت على نادي يوفنتوس الإيطالي وأدت إلى إسقاطه إلى دوري الدرجة الثانية هي تسجيل مكالمة بين مسؤول في النادي مع لجنة الحكام يطالب فيها بتعيين حكام معينين لمباريات الفريق، تعيين حكام معينين فقط وليس التهاون أو التخاذل أو (المخاوز)، ومع هذا صدرت العقوبة بهبوطه إلى الدرجة الأدنى.

لا أدري لماذا ندس رؤوسنا في الرمال كلما برزت قضية كهذه على السطح ونهرب من مواجهة الواقع، لذا أعتقد أن الاتحاد السعودي الآن أمام خيارين: إما التعامل مع القضية بحزم إذا ثبتت الادعاءات وهنا سيفرض الاتحاد السعودي هيبته، أو الانتظار حتى نهاية الدوري ومعرفة الهابطين ثم تفصيل القرارات بناء على ذلك وبما يتوافق مع الخصوصية السعودية!