صحافة ضد الكولسترول

محمود تراوري

TT

54 في المائة هي نسبة الإصابة بارتفاع مستوى كولسترول الدم بين السعوديين. نسبة مخيفة بلا شك، نسبتها الصحافة لاستشاري طب القلب بجامعة الملك سعود الدكتور محمد عرفة، الذي ذهب إلى أن هذه النسبة التي ترفع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين تأتي نتيجة للحياة العصرية الخالية من ممارسة النشاطات الرياضية والاعتماد على الأنظمة الغذائية غير الصحية، وبصورة تعبر عن (فوضى غذائية في المائدة السعودية) التي اعتبرت من أهم أسباب هذه النسبة أيضا.

يحدث هذا في الوقت الذي يبدو فيه المجتمع مصابا بهوس رياضي كبير، ولكنه هوس يبدو أنه يسير على هامش المسار الرياضي.

فالطفل أو الغلام (المنبطح) أمام الشاشة 24 ساعة، وحوله أطباق المسليات من مقليات ومعجنات، تفيض دهونا ونشويات وسكريات، ومشروبات طاقة ومشروبات غازية، وأكياس من الشيبسي والمكسرات، ليست لديه فكرة متكاملة واعية عن أهمية الحركة والنشاط، وكذا غالبية الشباب والكبار، اكتفاء مطلق بمتابعة الرياضة حد الجنون، والبعد عن ممارستها حد الخيبة والكولسترول. سأحاول هنا أن لا أجتر كلاما قتل طرحا عن الوعي والثقافة والمعرفة وبقية المكونات التي تنهض بها المجتمعات نحو المدنية وألقها، لأتساءل عن دور الصحافة بوسائلها كافة، مقروءة ومرئية ومسموعة، التي ما فتئت تنشغل بالترهات (نور شال المدرب، وعبد الغني ما سلم، وياسر ما حلق ذقنه، وفلان غلباوي، وعلان سكبته مخيسة، وفريقنا أطلق، ومدربهم جيفة..) وما إلى ذلك من مناخات باتت تتردى يوما بعد يوم - في الغالب طبعا - مما دعا أصوات مدركة ومحبة كثيرة، تتنادى فزعة في الآونة الأخيرة، بعد أن بلغ السيل الزبى.

لعل المتابع يتذكر النقد القوي الذي وجهه زميلنا الكبير وأستاذنا قينان الغامدي للصحافة الرياضية قبل أكثر من سنتين، والذي - بطبيعة الحال - لم يرق للبعض ممن هم أس البلاء في انصراف هذا الإعلام عن أداء دوره الحقيقي في خلق الفكر وبث الوعي.

لكن رأيه آنذاك قوبل بحفاوة وحوار متحضر عميق لثلة من المقتدرين والأكفاء في الصحافة الرياضية، حتى وإن اختلفوا مع منطلقات قينان الناقدة، إلا أنهم اتفقوا معه ضد الرداءة.

بالأمس كان قينان يتحدث عن «الشرق» الجريدة التي يرأس تحريرها ويتجهز لخوضها غمار السوق قريبا، وقال واعدا: «نأمل أن تكون الصحيفة إضافة نوعية للصحافة المحلية، صحيفة شاملة، بيد أنها ستركز على الشباب، بمعنى أنها ستكون صحيفة معلومات، وذات هوية مستقلة». قينان تحدث بالمجمل، ولكن في تقديري أن المهتمين ربما يترصدون له لمتابعة الإضافة التي ستفعلها صحيفته فيما يتعلق بالشق الرياضي.

وهل سيقدر على تطبيق ما نادى به عمليا. صحافة وعي وعمق ورسالة مهنية حقيقية بعيدا عن غوغاء الأميين والمتعصبين وضيقي الأفق؟ صحافة محرضة على مكافحة الكولسترول؟