رحيل هادئ لفنان صاخب

محمود تراوري

TT

يتغزل بعض المعمرين والمخضرمين في مواهبه وعبقريته الكروية، تلك العبقرية التي تتجلى في الإبداع المهاري المتوافق ذهنيا وعصبيا وعمليا مع التفكير الإبداعي، مما يجعل من لعب الكرة متعة جميلة من بين متع الإنسان، التي ملأته صفاء أفضت به إلى تصالح خلاق مع ذاته، ثم مع الآخرين من حوله، فيتفرغ هو الآخر للإبداع في جداول أخرى من نهر الحياة، الذي خلق ليبدع فيه الإنسان ويحقق (عمارة الأرض).

كان رحمه الله، إذن، وبحسب الرواة، واحدا من مانحي المتعة الكروية في (نادي الكبار) من أولئك (العتاولة) الذين ليسوا بالعابرين في ملاعب الكرة، بل خالدين في الذاكرة، حتى وإن كانوا مجرد خيال وأساطير في مخيلة أجيال ولدت ونمت ونشأت في مرحلة ما بعد الستينات الميلادية من القرن الماضي.

في ظل انشغال الرأي العام الرياضي بـ(الاتحاد يتوعد النصر، والفيصلي يريد إسقاط الزعيم، وعبد الغني يرفض الاعتذار لهوساوي، وعزيز يكتب مشهدا جديدا من سيناريو الاختفاء المثير والعجيب، وطارت فلوسك يا ماجد)، في ظل ما يمكن اعتباره لا مبالاة بذاكرتنا الكروية التي في ضوئها يحدث التراكم فيتجدد الإبداع ويتنوع، في ظل كل هذا، لملم الأسطورة سعيد لبان جسده الضئيل وذاكرته والآمة ورحل عن الفانية.

خبر صغير – في ما تابعت - انزلق بحياء في 100 كلمة، كرفع عتب، نشر في صحيفة واحدة فقط. لم تعتن برحيله الصحافة، لا المقروءة أو المرئية، ولعدم متابعة دقيقة، لا أدري إن كانت إحدى القنوات الرياضية المهتمة بالشأن المحلي قد بثت قصة خبرية أو تقريرا أو حتى أذاعت خبرا؟ أتوقع أن هذا حدث، لأن واحدة من أولى مهام الإعلام الرياضي الالتفات للذاكرة، وجعلها يقظة وحية باستمرار، لأن النجاحات والإبداع، تراكم، في تصوري. والمجتمعات التي تنفصل عن ذاكرتها ولا تراكم تجاربها، تظل دوما تدور في مربع واحد، تجتر قضاياها ومشكلاتها وهمومها وتلوك فيها العمر كله، لتبقى (مكانك راوح).

رحل سعيد لبان الذي يمكن تقريب صورته لأجيال لا تعرفه، بأنه - بحسب بعض الرواة - بمثابة محمد نور الآن في الاتحاد، مع الفارق في محددات السمات الشخصية البحتة كالبنية مثلا.

لعب اللبان أواخر الخمسينات الميلادية مع الرعيل الأول للوحدة، ذلك الجيل الذي حقق أول بطولة في السعودية، ولم تدركه أي متابعة إعلامية، إذ إنه كان ذلك في زمن ما قبل التلفزيون، ذلك الجيل الذي تأتي من أسمائه محمود زرد وحسني باز وخضر كاس البر وعبد الله أبو يمن، ثم صعد نجمه ليكون نجم جيله إلى جوار عمالقة أيضا كالحارس علي داود وكريم المسفر وحسن دوش.. رحم الله سعيد لبان.