وطأة الذكريات!!

أحمد صادق دياب

TT

* في رمضان هذا العام فقدنا رمزين مهمين في عالم الرياضة السعودية، وإذا أردنا التخصيص، قلنا كرة القدم.. وعندما تفقد لعبة ما أحد دعائمها التاريخية، فلا بد أن تئن حزينة تحت وطأة الذكريات والحنين إلى من بادلها حبا بحب وتعبا بتعب. بالأمس القريب فقدنا الأمير محمد العبد الله الفيصل، وقبله فقدنا الشيخ عبد الرحمن بن سعيد.. وهما هامتان لا يمكن أن يتمكن التاريخ الرياضي أن يغمض عينيه دون أن يرسم ملامحهما على كل سطر من سطور كتابه، ولا يمكن للرياضيين والمؤرخين أن يكتبوا ورقة دون أن يصهل القلم باسمهما، فهما جزء من الدائرة التي لا تكتمل إلا بهما.

* عرفت الأمير محمد العبد الله الفيصل (رحمه الله) منذ منتصف الثمانينات الميلادية، حين كان رئيسا للأهلي حينها، ثم تعمقت معرفتي به من خلال صداقتنا المشتركة بالفنان الراحل الكبير طلال مداح، وعندها عرفت كم كان هذا الأمير الجميل إنسانا بمعنى الكلمة.. ففي ذات مرة كتب أحدهم مقالا سلبيا فسره الكثيرون على أنه موجه ضده، وتطوع أحد الحضور بلفت نظر الأمير إليه، وعلى عكس ما توقع الكثيرون ابتسم الأمير في هدوء وهو يجيب: «حتى لو كان موجها ضدي، وهو لم يشر لذلك صراحة، فهو رأيه، وهو حر فيما يعتقد، وقد دعوته إلى مكتبي وتحدثت معه وشرحت وجهة نظري، وأصر على موقفه، وهذا حقه، ويجب أن نلتفت إلى بعض النقاط الإيجابية التي أشار إليها»، هكذا وببساطة أقفل الراحل الكبير الموضوع مبتسما دون أن يُحمّل الموضوع أكثر من ذلك.

* هكذا كان الجميل محمد العبد الله الفيصل، حتى عندما اختلفت معه في مرحلة ما حول سياسته في الأهلي، وكنت رئيسا للقسم الرياضي بجريدة «المدينة»، فوجئت بمكالمة منه قائلا: «ما كتبته صحيح، ولكن اسمع وجهة نظري، فعندما تكون مسؤولا في ناد بحجم الأهلي، تحتاج لأعصاب من فولاذ موضوعة في ثلاجة، وتحتاج إلى تركيز وسط مستوى عال من الضجيج، وهي معادلة لا يمكن من خلالها إلا أن تفعل ما يتوجب عليك في ذات اللحظة، وأن تتحمل نتائج قرارك»، كم أنت كبير يا ابن الكبار، رحمك الله.

* ربما لم أعرف الشيخ بن سعيد عن قرب كثيرا، ولكني عرفته مؤخرا من خلال عدد من المكالمات الهاتفية، وأذكر أن أولى تلك المكالمات أتتني قبل عدة شهور، بعد لقاء نُشر لي في صحيفة «اليوم»، وسُئلت خلاله عن الاستعانة بأفكار ومذكرات بن سعيد في أسلوب تدوين البطولات الخاصة بالأندية، وقلت عندها إنني متأكد أن بن سعيد لا يمكن تجاوزه أبدا في مجال التاريخ الرياضي، ولكن من المهم جدا أن نتأكد من تلك المعلومات من مصادر أخرى، وحين اتصل الشيخ الفاضل رحمه الله قال: «أشكرك على حسن ظنك بي، (الله ما أروع تواضع ذلك الرجل الجميل)، وما قلته جميل، فعلينا أن نضع كل المعلومات على محك علمي حتى نتأكد من صحتها، لأننا نبني عليها وبها قاعدة لأجيال قادمة».. كلمات ظلت وستستمر ساكنة في مخيلتي من رجل سيظل بيننا دوما.