الدرس الفينغري

مصطفى الآغا

TT

الأكيد أن بريطانيا بالحجم والمساحة وعدد السكان قد لا تكون مؤهلة (نظريا) كي تكون في يوم من الأيام قائدة للعالم كما فعلت في حقبة غابرة من التاريخ البشري، ولكن كلما فكرت كيف أمكن لهذه الدولة التي بقي شعبها يضع الحمامات خارج المنزل ويترك التمديدات الصحية ظاهرة للعيان، أن تسيطر على دول عدد سكانها عشرات ومئات أضعاف عدد سكان بريطانيا، سنعرف أن العقل الذي يسيطر على جماجم ساكنيها هو الذي جعلهم متفوقين بسنوات ضوئية على ما عداهم، أحببنا ذلك أم كرهنا..

الإنجليز هم من اخترعوا كرة القدم، ورغم كبريائهم المعروف عنهم، فإن ذلك لم يمنعهم من استقدام أجانب لتدريب منتخبهم الوطني، وكانت البداية بالسويدي إريكسون، ونحن الآن نعيش عصر الإيطالي كابيللو، ومن عاشر الإنجليز سيعرف كم الفارق شاسع بين العقلية الإيطالية والإنجليزية (رغم الخلفيات الاستعمارية للطرفين).

ومن يتغلغل أكثر في النفسية الإنجليزية سيجد أن الجار الفرنسي هو الآخر شخصية متعاكسة تماما؛ إن كان من حيث اللغة، ونمط الحياة، وطريقة هذه الحياة، إلا أن فرنسيا دخل العاصمة لندن، تحديدا يوم 28 سبتمبر (أيلول) 1996 ليدرب آرسنال قادما من اليابان (ليس ريال مدريد أو برشلونة أو الميلان) وبات أول رجل من خارج الجزر البريطانية يدرب آرسنال، ولا يزال فيه حتى الآن.. وللأمانة، فالرجل من أنجح المدربين في تاريخ المدفعجية؛ فهو في أول موسم نال المركز الثالث وشارك في دوري أبطال أوروبا، ثم حقق الثنائية مرتين (98 و2002)، وفي 2003 - 2004 أحرز الدوري دون أية خسارة، وتوج بطلا لكأس إنجلترا 4 مرات، وكأس الاتحاد 4 مرات، ووصل لنهائي دوري أبطال القارة 2006، وخسر أمام برشلونة، ونال لقب أفضل مدرب 3 مرات.. والرجل ليس معصوما من الخطأ؛ فقد سقط تريليون مرة، ومع هذا، لم «يفنشوه»، رغم أن الفرص كانت سانحة؛ وآخرها قبل أقل من شهر من يوم «الفضيحة بجلاجل» عندما خسر بالثمانية أمام مانشستر يونايتد، وقبلها خسر على أرضه من ليفربول بهدفين، وبعدها خسر من بلاكبيرن 4 - 2، وقبل السبت كان بالمركز 17، ومع هذا، طلب فينغر من وسائل الإعلام أن لا تستهين بفرص فريقه في التتويج باللقب الإنجليزي رغم أن الفريق وقتها لعب 5 مباريات فاز بواحدة وتعادل بأختها وخسر 3 واندكت شباكه 14 مرة مقابل 5 أهداف سجلها.. وبعد السبت قفز آرسنال للمركز 12 بالفوز على بولتون بالثلاثة، وأنا أتحدى أي مدرب «عالمي» يدرب في مناطقنا وأضع تريليون خط تحت كلمة «عالمي» أن ينجو من 3 خسارات من أصل 5 مباريات واحدة منها بالثمانية، وأعتقد من ما يفعله مانشستر يونايتد مع أليكس فيرغسون وآرسنال مع فينغر، يستحق أن يكون درسا لنا كعرب في التفكير ولو مرة واحدة قبل أن «نفنش» مدربينا بعد أول خسارة، لأن جمهورنا صار يعلم علم اليقين أن المدرب وحده لا يتحمل الخلل في كل جوانب المنظومة.