تشنج أخضر!

عبد الرزاق أبو داود

TT

أضحى فريقنا الوطني لكرة القدم يحظى بالاهتمام الأعظم في إعلامنا الرياضي حاليا، وهو مؤشر جيد لمن يعشقون الأخضر، وهو يستحق ذلك تاريخيا، وليس هناك غرابة في ذلك. لكن غير الطبيعي هو السعي لإعطاء فريقنا الوطني مكانة أكبر من حجمه الفني الحالي، الأخضر كبير بإنجازاته، إلا أن هذا لا يبرر كل هذا التشنج لمجرد التعادل مع تايلاند وعمان والخسارة من أستراليا.

كرة القدم ليست حكرا علينا، والتطور الفني متاح للكل، والملاعب لم تخصص لكي ينتصر فريق واحد ويتعالى الصراخ عند تعادله أو هزيمته. الخسارة واردة لكل الفرق والمنتخبات، ولسنا استثناء ولا حالة خاصة في هذا المجال. علينا أن نعترف بأن منتخبنا الحالي، ورغم ثقتنا فيه، ليس بالشكل الذي كنا نتمناه، سواء من حيث الفكر والمهارات الفردية أو من حيث الأداء الجماعي أو التكتيكي، كما أن مستويات البدلاء تبدو متواضعة نسبيا، وهذا يجب الاعتراف به في ظل متغيرات متعددة تعاني منها كرة القدم السعودية. فتوافر وطريقة اختيار اللاعبين المحترفين الأجانب ومراكزهم في أنديتنا، وامتداد الموسم الكروي، وتعدد المشاركات الداخلية والخارجية، أصاب اللاعبين بالإرهاق، وطبيعة وتأثيرات نظام الاحتراف، الذي لا يتيح فرص محاسبة اللاعب فنيا، إضافة إلى ضعف للقاعدة الأساسية في الأندية، عناصر قوية التأثير على أداء ونتائج فريقنا الوطني.

كم هو عدد اللاعبين الذين صعدوا من الشباب إلى الأولى في الأندية الممتازة خلال الموسمين المنصرمين؟ وما هي المستويات الفنية المميزة لهؤلاء الذين صعدوا بالفعل بحيث تقودهم إلى المنتخب؟ أنديتنا أصبحت تعتمد على شراء عقود اللاعبين من الأندية الصغيرة باطراد، والنتيجة النهائية هي ضعف قدراتها الإنتاجية، وتحولها إلى أندية استهلاكية تعتمد كثيرا على منتجات غيرها. كما أن محدودية الخطط المستقبلية لدى الأندية الكبرى تؤكد أن الكل يخطط لخطف بطولة هنا أو هناك، ثم يرحل ليتفاخر بها، فالتخطيط مفقود إلى حد كبير. هذه وغيرها أسباب خلف تدهور القاعدة الكروية السعودية، وبالتالي ضعف قدرات المنتخب، لأن قاعدة الاختيار أمام أي مدرب للمنتخب هي محدودة بالأساس وفي المحصلة، خاصة فيما يتصل بالمهارات الهجومية التي كادت أن تنضب بفعل التركيز على المحترفين الأجانب.

المسؤولية مشتركة، ولا بد من حوار موضوعي للوصول إلى فهم مشترك، لمعالجة مشاكلنا الكروية، التي عادة ما نتجاهلها عندما نحقق انتصارا هنا أو هناك، ولا نتنبه لها إلا عندما نخسر في المشاركات الخارجية. قد نفوز على تايلاند ونتخطى عمان ونتعادل مع أستراليا ونتأهل إلى الأدوار التالية! لكن المشكلة ستظل قائمة ما دامت أسبابها كذلك، ومسيرتنا الكروية في حاجة إلى تصحيح، فلكل مرحلة خصائصها، وما كان ملائما من قبل لم يعد كذلك الآن. لننظر حولنا، ونتأمل كيف استطاع الآخرون تغيير واقع فرقهم الكروية، وتمكنوا من تحويلها إلى فرق ذات أداء قوي فاعل على الساحة الدولية.