تبدو معقدة!

عبد الرزاق أبو داود

TT

أضحت كرة القدم من أكثر ما يشغل عشاق الرياضة بعامة، وكان من أهم ما يحوز انتباههم اللاعبون والمدربون والإعلاميون الرياضيون وعموم الجمهور. ليس هذا هو موضوعنا هنا، ولكن تركيزنا ينصب على جزئية تتعلق بالفكر الكروي المعاصر. تابعنا في نهائيات كأس العالم الأخيرة وكوبا أميركا وبطولات آسيا وأوروبا نماذج متباينة من الفكر الكروي الذي تجسده وتبين مكوناته تصرفات وتحركات وخطط متعددة.. تشكل فيما بينها حيزا كبيرا من الفكر الكروي الذي نشير إليه.

أهم ما يميز الفكر الكروي المعاصر - في تكوينه العام - ما يتضمنه من أسس عريضة يمكن تحديدها بصورة دقيقة. وتتمثل فيما يمكن تسميته بالسيطرة وفقدانها؛ وسيطرة الخصم، واستعادة السيطرة الميدانية بطبيعة الحال. وأهم ما يجب التنبه إليه هنا هو عدم الخلط بين الأسس وبين عمليات الانتقال من وضع تكتيكي إلى آخر. الفكر الكروي المعاصر في واقع الحال أكثر سعة وتعقيدا من هذه العمليات الميدانية المتعارف عليها في أذهان الرياضيين، وهو ما يقود اللاعبين إلى تحمل مسؤوليات وواجبات ومجهودات وتمركز غير مجد أثناء المباريات، فاللاعبون يتخذون وضعية في أذهانهم قبل تحركاتهم وهذا ما يؤدي إلى عدم القدرة على تقديم المساندة الدفاعية أو الهجومية بين لاعبي فريق واحد في أحيان كثيرة نتيجة ترسخ أفكار مسبقة في أذهانهم عن مهامهم.

الوضعيات المسبقة في أذهان اللاعبين من أهم معضلات المدربين، وتظهر جلية في النهائيات، ويصعب التخلص منها بعد سن معينة. ومن أهم مشاكل الكرة السعودية أن الاهتمام بالفئات السنية بالأندية والمنتخبات يحتاج إلى خبرات متخصصة، بحيث تسهم في صقل أفكار اللاعبين وتدريبهم وتوعيتهم فكريا وميدانيا وتكتيكيا لكي يتشربوا أفكار كرة القدم المعاصرة باستمرار، والتي لا تعترف بخطوات فردية يقوم اللاعب بأدائها غير مدرك لأهمية الترابط بين الفريق كوحدة، فتشكيلة من اللاعبين يعهد إليها بالوقوف والحركة في بقع معينة من الملعب والاكتفاء بذلك تفقد القدرة على الإبداع والتفكير الذاتي القادر على استنهاض مواقف، وصناعة فرص تسجيل جديدة.

إنها مسألة تبدو معقدة، غير أن الفكر الكروي المعاصر يعتمد على أساسيات أهمها كيفية التمركز والسيطرة على المساحات والكرة معا، وتفهم تموضع الفريق الخصم وتحركاته، وكيفية الضغط لاستعادة الكرة. إنها عملية تحتاج إلى فكر جماعي يتدرج اللاعب في استيعاب عناصره منذ انطلاقته الكروية الأولى في برامج الفئات السنية في الأندية والمنتخبات.

الاختلافات بين تقديم كرة قدم عصرية وأخرى معاكسة تماما تكمن في الرؤى الصحيحة التي يستوعبها اللاعبون عبر برامج تدريبية حديثة، تستند إلى العلم والمعرفة والتجارب العميقة لا الاستعراضات الرتيبة. وهنا تكمن إحدى أهم «علل» الكرة السعودية التي يجب مراجعة أوضاعها ومعالجتها باستمرار من خلال المتابعة والتقييم بناء على إحصاءات ومعطيات علمية. هذه المعالجة لن تنجح إلا من خلال انعطافة فكرية كروية جادة تشارك فيها كافة الجهات المعنية.