ثقافة الفارغين

مساعد العصيمي

TT

بين الصوت العالي الأجوف والعبارات الهادئة الرزينة مسافة كبيرة ومعان من الصعب أن يدركها من يجهل أدب الحوار، أو خاصية الإقناع. وبلا شك، فإن جل من يكتب رأيا أو مقالا أو يبلور فكرة لعرضها على الآخرين عبر وسيلة نقل مكتوبة أو مشاهدة وحتى مسموعة، من الجدير أن يكون من المدركين للمسافات المطلوبة المرجوة لإيصال ما يراد إيصاله.

في واقعنا، ثمة فارغون مجعجعون يعتقدون أن الأمور لا بد أن تنساق لمنطق الصوت العالي والكذب، وعليه، فإن إثارتهم وبحثهم عن مستمعين أو قارئين كثر لهم أمر يرتبط بالصوت العالي ولا بأس من بعض شتيمة وانتقاص.

هل هذا هو الوضع السائد لرياضتنا، حيث باتت بين الزاعقين والمتطفلين أسيرة عليلة؟ حقيقة، فقد أعياها من ملأوا الفضاء والصحف شأنا مظلما، يناقشون في التوافه، وينتصرون للمخطئ، ويتبنون كل قرار ضد من لا يحبون.. أعيانا الجهل، حتى بات كثيرون يفكرون في الرحيل عن مجالنا، ذلك المجال الذي أصبح كثير من منظريه من العالقين في وحل التوافه، وليت الأمر كذلك، بل إن المجتمع المنتمي المتابع لهذا الشأن ينساق خلف ما نثر من توافه، حتى باتت هي قضيته ووسيلته.

هل نحن بحاجة لصياغة حاضر رياضتنا؟ لكن كيف نفعل ذلك وقلة هم من يتمسك بالثوابت ويبحث عن مجتمع رياضي فاضل؟ الأمر مستشر، حتى إن اقتلاعه بات صعبا، وهل لغير الله مشتكى؟

لا شك أن أولئك ممن يفكرون بألسنتهم، تاركي عقولهم في إجازة، يعانون من فرط القزامة.. وعليه، فلا بأس إن نحوا إلى البحث عما يثير حتى يكونوا ضمن إطار الصورة، وعلينا أن لا نأسف حينما يخرج أي إداري ضعيف العمل ليستشهد بمقولاتهم، لأنهم هم من هيأ له سبيل الكذب.

في واقعنا الحالي لن نبرح فضيلة الصمت ولن نتخلى عنها خلال واقع أدمى الحقائق وأعيا العمل، فليس هناك أسوأ ممن يدافع عن الخطيئة، ويسترزق من الادعاء والكذب والنميمة، حتى بات المتضعضع المتراجع في الصدارة من فرط مدحهم.. أما الفاعل المتميز المتطلع، فهو ضعيف لا يحسن عمله من فرط تصويرهم. ليتنا نقدر على التغيير، لكن هو واقعنا المحبط المعنون بالمتكسبين الناعقين.. المجعجعين خلف كل ميكرفون وأمام أي محبرة.

مفيد القول إنني لم أستغرب حال التراجع الذي تعيشه رياضتنا، فمع ألم الإدارة أوجعنا المتكسبون ممن يحسبهم الناس سلطة الإعلام وضميره الحي الذي هدفه تقييم الأمور والبحث عن إصلاحها.. لكن هيهات ونحن ندور في فلك عبارات الكره والنميمة.. الاختلاق والشتيمة.. الولاء للنادي ومنتميه وربما بفرض كره الآخرين ومحاربتهم.. لا، ليس هذا واقعنا؛ بل واقع الداخلين عنوة إلى الميدان ممن دعمتهم أموال المنتفعين، وطلب الإثارة من لدن الفارغين.

[email protected]