«ياكلك»

محمود تراوري

TT

أما «ياكلك» فهي الأهزوجة التي غدت منذ سنوات «ماركة» تميز أنصار فريق الاتحاد الكروي، ولعل كثيرا من المتابعين ربما قد لا يعرف أن أصلها «زومال» كانت تضج به «لعوب» المزمار المنتشرة في منطقة الحجاز السعودية ونصها الأصلي «ياكلك.. شوك البرشومي». وهذا ما يقودنا لفتح ملف الهتافات في الملاعب السعودية، على خلفية العقوبة التي وقعت ضد نادي الهلال نتيجة لما قيل بأنها هتافات عنصرية، حين رددت بعض جماهيره عبارة «نيجيريا.. نيجيريا»، وهنا أستحضر رأيا لأحد الأصدقاء قال فيه «إذا كانت هذه الجماهير تظن أنها تسيء للاعبين في الاتحاد تعود جذورهم لنيجيريا، فكيف يغيب عن ذهنهم أن كابتن فريقهم هو أسامة هوساوي!!». يضحك صديقي حيال ما يعتبره ازدواجية تفكير، بينما أنا أريد القول بأنه عند مقاربتنا لأي ظاهرة من ظواهر الثقافة الإنسانية - والمشهد الرياضي بكله أشدها وضوحا - هناك مسألة تطرح نفسها، ابتداء، ولا نستطيع السير قدما في مهمتنا قبل التوقف عندها مليا، ألا وهي مسألة المصطلح والتعريف، فدون هذه الخطوة المبدئية التي من شأنها تعريف الظاهرة، وتوضيح حدودها، قد يجد الباحث نفسه وهو يلاحق ظواهر بعيدة عن موضوع دراسته، أو ينساق وراء جوانب ثانوية من الظاهرة المعنية على حساب جوانبها الرئيسة. على أن المشكلة التي تواجهنا - بحسب الباحث السوري الكبير فراس السواح - عندما نحاول أن نستهل دراستنا بتعريف للظاهرة وتوضيح لمصطلحاتها، هي أننا لا نستطيع التوصل إلى تعريف مرضٍ قبل أن نكون قد قطعنا شوطا واسعا في تقصي الظاهرة. لأن التعريف الذي لا يأتي نتيجة الدراسة المتأنية والمعمقة، سوف يعكس أهواء الباحث / الكاتب ومواقفه المسبقة وإسقاطاته الخاصة.

وحتى يأتي يوم تكتمل فيه أو على الأقل تتوفر فيه لدينا دراسات بحثية ميدانية، ترفد مسيرتنا الرياضية، لا بد أن نتساءل عن لماذا تهتف جماهير باسم دولة معينة، كنيجيريا مثلا، وهي بلد «إسلامي» كبير، غني بالنفط، وبتراثه وأدبه وفنونه وثقافاته، وله مشترك معنا، ذو بعد تاريخي عميق، ما يحيلنا إلى إمكانية القول بوجود خلل في خطابنا الأكثر تأثيرا وهو الخطاب الديني، ناهيك عن الخطاب المعرفي / التعليمي/ التربوي، وكلها خطابات كان يفترض أن يكون لها تأثيرات إيجابية في الوعي الجمعي، تنعكس على تصرفات وسلوكيات الجماهير المنتمية لبلد ينظر إليه على أنه منبع الدين الحنيف الذي ساوى بين البشر.

مثل تلك الهتافات، لا يمكن الاكتفاء بمعالجتها عبر العقوبات المالية فحسب، بل لا بد من الالتفات لجذورها الأصلية، ومقاربتها معرفيا للتأكيد على أنها لا تليق أبدا، أقله بالخطاب الذي يدعو إلى قبول الآخر ومحاورته وهي الدعوة التي أطلقتها قيادتنا الرشيدة وتبنتها الأمم المتحدة منذ سنوات.