قبل أن يخفت وهج القناة «الرياضية»

موفق النويصر

TT

حديث شيق وممتع تابعته عبر برنامج «إرسال» على القناة «الرياضية» السعودية، يوم السبت الماضي، حول التطور الذي شهده النقل التلفزيوني في الفترة الأخيرة، والتجديدات التي تشهدها القنوات الرياضية الـ6 منذ انطلاقها وحتى الآن.

وعلى الرغم من عبارات الثناء التي ساقها القائمون على البرنامج وقصائد الغزل التي نظمها الضيوف، وإن كنت لا ألومهم على ذلك نظير الجهد الذي بُذل، فإنني ما زلت على قناعة راسخة بأن أي عمل «تجاري» يستهدف الجمهور، لن يُكتب له النجاح ما لم يتحرر من قيود البيروقراطية الحكومية.

ولعل التجارب الماثلة أمامنا من خلال شركات «أرامكو» و«سابك» و«الاتصالات السعودية» خير مثال على ذلك، ومن عاصر عمل «وزارة البرق والبريد والهاتف» سابقا يعي ما أقوله، عندما كان الحصول على خط تليفون أرضي يعد ترفا لا يحظى به عامة الناس، فأصبحت الخدمة، بعد تخصيص قطاع «الاتصالات»، على مسافة قريبة من أصابع يدك، وبأسعار منافسة.

الأكيد أن عدم نجاح القطاعات الحكومية في تقديم خدماتها للجماهير، مرده اعتمادها مبدأ «عدم الربحية»، وبالتالي يكون تطورها مرهونا بحماسة القائمين عليها، أفرادا كانوا أو جماعات، ومتى ما تغير هؤلاء الأشخاص أو خفتت حماستهم، فإن مستوى الخدمة المقدمة للجمهور سيصيبه الرتابة والانحدار وصولا إلى الفشل في نهاية المطاف.

ولذلك فليس أفضل من اعتماد مبدأ الربحية كنتيجة حتمية لاستمرار النجاح، خاصة إذا ما كان هذا العمل تنافسيا ويشهد تغييرات دورية في المادة المقدمة للمستهلك، كالنقل التلفزيوني وتطوراته العالمية بالنسبة لمحبي متابعة المنافسات الرياضية.

المنطق يقول إن بإطلاق وزارة الإعلام لـ6 قنوات رياضية، وقناتين دينيتين، وواحدة إخبارية وأخرى اقتصادية وأخيرة ثقافية، تكون بذلك قد قدمت خدمة كبيرة لمختلف شرائح المجتمع. ولكن واقع الحال يقول بخلاف ذلك، فأكثر من 50 في المائة من القنوات الرياضية معطلة، ولم يستفد منها حتى الآن، على الرغم من تعدد الأنشطة الرياضية المحلية والقارية، والقناتان «الإخبارية» و«الاقتصادية» لا تنافسان سوى نفسيهما، حيث تجاوزتهما القنوات «التجارية» الأخرى المشابهة لهما منذ زمن.

شخصيا أعتقد أن خطأ وزارة الإعلام ليس في إطلاق القنوات، ولكن في إصرارها على إدارتها، في وقت كان حريا بها تخصيصها، كليا أو جزئيا، وطرحها للمساهمين كشركات مساهمة مغلقة أو مفتوحة، وتوكيل إدارتها للقطاع الخاص، وهو الحل الأمثل لإنجاح هذا القطاع الحيوي، على أن تمنح هذه القنوات حق النقل الحصري للأنشطة الرياضية السعودية بشكل تنافسي، وإلزامها بتقديم الخدمة مجانا للمشاهدين في الداخل، وتوسيع قاعدة البث الفضائي ليشمل معظم الأقمار الاصطناعية المختلفة، مع إمكانية مشاهدتها عبر تطبيقات الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والإنترنت.

قد يبدو هذا الحديث صادما للبعض في ظل النجاحات المتوالية التي تحققها «الرياضية»، حتى الآن، وأقول: حتى الآن.. لسببين رئيسيين؛ الأول حصولها على منحة خادم الحرمين الشريفين بنقل مباريات الدوري السعودي مجانا، والثاني وجود شخص الأمير تركي بن سلطان، مساعد وزير الثقافة والإعلام، خلف هذه النجاحات.

ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف سيكون حال هذه القنوات بعد مرور سنوات النقل المجانية، وتكليف مساعد وزير الثقافة والإعلام بمهام أخرى؟

حقيقة أخشى إن لم يتم تدارك الوضع سريعا، أن يخفت وهج القناة «الرياضية»، وبالتالي يصبح أمر تسويقها من جديد أمرا عسيرا، ولكن عندها سنكون قد وصلنا إلى مرحلة إنعاش جسد فقد روحه أصلا.