أنديتنا وفلاسفتها

مسلي آل معمر

TT

كما أن للمجتمعات ثقافاتها المختلفة، التي تتشكل بناء على أنساق أسسها أشخاص قياديون أو ظواهر ومعتقدات محددة، نجد أن لمجتمعات الرياضة ثقافاتها أيضا، فالأسلوب والثقافة تنعكس حتى على أداء اللاعبين داخل الملعب، إلى درجة أن فرقا مثل الشباب والاتفاق والرياض عرف عنها تقديم أجمل عروض اللعب الجماعي في الملاعب السعودية، وقد يكون السبب خلف ذلك هو أن لاعبيها اعتادوا اللعب أمام الجماهير الغفيرة للأندية الأربعة الكبار جماهيريا، فأصبح لاعبو هذه الأندية لا يبالون بصيحات جماهير المنافسين، ويعمدون لتناقل الكرة لأطول وقت ممكن لإسكات أصواتهم، مما أنتج الأداء الجماعي الجميل.

في الاتحاد، كان هذا الفريق يعاني في الثمانينات والنصف الأول من عقد التسعينات حتى ظهر عضو الشرف الداعم، وتغييره ثقافة النادي كاملة، بتقديمه على أنه النادي السعودي الأكثر ثراء بعد إتمام صفقة انتقال مرزوق العتيبي مقابل 9 ملايين ريال، كرقم قياسي في ذلك الوقت، ثم جاء منصور البلوي وعزز هذه الثقافة، حيث أبدى الرئيس الاتحادي السابق قدرة مذهلة في اللعب على المكشوف والتجديف ضد التيار، وبعد أن تشكلت تلك الثقافة الاتحادية ها هي تنهار من جديد وقد لا تقوم للاتحاد قائمة حتى يتسلمه رجل له ثقافته الخاصة.

السياسة الهلالية لا تزال هي الأقوى والأكثر ثباتا، فهي تتكئ في المقام الأول على تدعيم الفريق، أي تركيز الاهتمام على الفريق الميداني ثم العمل على خارجه بالدرجة الثانية، ومن مظاهرها أن من يخدم الأزرق؛ سواء أكان لاعبا، شرفيا، إداريا، إعلاميا، أو من خارج البيت الهلالي فهو رمز رياضي ولا بد أن يحظى بتقدير خاص، أما من يحاول الوقوف أمام التيار الأزرق فهو خصم للموضوعية، ويجب أن تُكتب نهايته.

الأهلي الذي يقدمه محبوه على أنه النادي الراقي، يحاول مسيروه أن يبتعدوا عن المماحكات لإثبات الرقي، يهتم بالعمل على الورق كثيرا، يجد صعوبة كبيرة في تقديم ثقافته الخاصة للآخرين، وكأنه بدأ يتلمس هذه الثقافة ابتداء من هذا الموسم، وربما تتضح في حالة تحقيق نتائج مرضية.

أما النادي الذي صاحب الثقافة الأشهر فهو النصر، كان يقف خلفها فيلسوف رياضي من طراز فريد هو عبد الرحمن بن سعود، ثقافة التحدي، التهيئة النفسية، إشغال المنافس والنادي المحارب، وقد أثبتت هذه الثقافة نجاحها على مدى ثلاثة عقود، وذلك لوجود عناصر داخل الميدان يمكن المراهنة عليها، ووجود قيادي بارع في إدارة الحرب النفسية، وإقناع واستمالة المحايدين، لكن بعد أن رحل الرمز النصراوي ضاعت الهوية الصفراء وعجز النصراويون عن إيجاد بديل يساير الثقافة القديمة أو يغيرها تماما، ولا يمكن لهذا التحول أن يتم إلا على يد فيلسوف مثقف، لذا أعتقد أن النصر والاتحاد سيظلان تائهين حتى يتسلمهما رئيسان لديهما ثقافتاهما وفلسفتاهما الخاصة، وما أكثر الفلاسفة (المضروبين) في هذا الزمن!