أسرار تخلف رياضة هاتين المدينتين

محمود تراوري

TT

بقدر من التعجب والأسى تابعت ملاسنة صحافية سلبية بين النجم السابق - الذي تسبق اسمه غالبا كلمة الخلوق - حمزة إدريس، وعدد من إداريي نادي أُحد، حول ما آلت إليه مستويات الرياضة في المدينة المنورة، وتحديدا كرة القدم.

رأيت أن التشنج والحدة في تبادل الرأي لم يختلفا كثيرا عن مناخ عام بات يحكم حوارات المجتمع، الذي يبدو أنه يتخاصم أكثر من كونه يتحاور، وهذا ما بدا جليا في تبادل الاتهامات بين الطرفين، على الرغم من أن القضية الجوهرية للنقاش أبعد ما تكون عن دواعي الخصومة، فتقريبا كلا الطرفين متفق على أن مستوى رياضة المدينة انحدر جدا. وتحديد المشكلة مدخل جيد لمحاولة حلها، لكن الطرفين ذهبا للتناحر حول هوامش، والارتهان للفكرة الخالدة عربيا. فكرة المؤامرة هي باستمرار خلاصة عقلية تقاوم أن تبدأ وتقاوم أن تعمل وتروح تلقي بتبعات ابتدائها وعملها على آخر، وغالبا ما يكون هذا الآخر بمثابة شبح أو ظل لأشياء غير مرئية بوضوح. هذه الملاحظات كانت مجرد محطات في الطريق نحو البحث عن السؤال المركزي: لماذا وصلت رياضة المدينة لهذا المستوى؟

تاريخيا تأسس أحد عام 1937م، والأنصار عام 1955م، أي أنهما عريقان، عراقة الرياضة في المدينة منذ مرحلة وجود أكثر من ناديين قبل فترة الدمج. ولأسباب تاريخية - اجتماعية - دينية، يشبه واقع المدينة المنورة الرياضي ما هو واقع في مكة، تشابها وصل إلى حد التماثل في تردي المستوى الرياضي لأندية المدينتين، وتكون المفارقة المدهشة أن أبناء المدينتين يشكلون نسبة كبيرة من مواهب تغذي الأندية السعودية في معظم المدن والمحافظات، حتى بات من النادر جدا ألا تجد في كل نادٍ لاعبا أو أكثر ينتمي للمدينتين اللتين تئن فيهما أنديتهما، ولا تحفل إلا بالخلافات والصراخ والإحن، مما يدفع بالمواهب إلى الفرار بحثا عن مناخات تكفل لها صقل قدراتها وتقديم موهبتها بما يليق بها؛ لأن النظم الأخلاقية المعيارية متنافرة في أنديتهم، وإن بدا أحيانا نظاما معياريا واحدا، لكنه في الحقيقة متسربل بالتنافر والالتباس في الوقت ذاته.

في تصوري لا بد من إعادة فهم سيكولوجية المدينتين، والبحث في المتغير خلال العقود الثلاثة الماضية، وطرح تساؤلات من قبيل هل اختلف دور الحرمين عمَّا كانا ينهضان به من تكريس قيم وإرساء مفاهيم تسامح، وشفافية أنفس؟ إذ لربما اقتربنا من إجابات أولى تقود لمعرفة أسباب الاحتراب المستمر في بعض الأندية أو بعض المدن، وعلى مدى سنوات، والنتاج هو مزيد من التردي والتناحر والانحدار ومزيد من هجرة الطيور باتجاه الجهات كلها.