تجار الحرب.. ظهروا!

مساعد العصيمي

TT

يقول المفكر العراقي صلاح المختار: «من يبحث عن جوهر الوطنية، بعقل هادئ وموضوعي، يجد أنه أخلاقيتها المتجذرة، بل المتناسجة خلاياها وعناصرها (الجينية) المكونة. فلا وطنية حقيقية بلا التزام أخلاقي ثابت وعميق، وحينما تنفصل الوطنية عن جوهرها الأخلاقي، تصبح محض انتهازية رخيصة تزيل الحدود، التي تفصل بين الإنسان والحيوان»!

انتهى ما قاله المختار.. ولنسقط هذه التوطئة على ردود الفعل تلك التي أشبعت بالوطنية جراء الخسارة القاسية التي قذفت بكرة السعودية بعيدا عن السياق التنافسي العالمي.. ويا لهذه الوطنية التي قرأها كل منا وفق أهدافه التي يريدها.. حتى بلغنا شأنا لم يبلغه أحد غيرنا!.. كيف لا.. ولدينا من يقول إن استخدام لاعبي الفريق الفلاني سبب في الخسارة؟!.. يبدو أن في توجهه هذا مفهوما جديدا في الوطنية، بل سبيل في وضع المعوقات لمنع الوقوف على أسباب الكارثة الكروية.

لن نرتقي بمفهومنا وبحبنا لوطننا ما دمنا نلجأ إلى التوافه في تقييم تراجعاتنا.. الفكر البليد يضرب أطنابه بين ظهرانينا.. ألم تسمعوا من وجد في الركن الأضعف وهم اللاعبون مسربا لتفريغ مشاعره الوطنية المتأججة فأسقط كل الإخفاق على أولئك المساكين.. ليس إلا أنه أراد مكسبا.. وعبر عن وطنيته.. بل انتقائيته التي لا تبلغ المسؤول، بل تقف عند الضعيف الذي لم يكن له حول ولا قوة.

في إشكالية الوطنية أتعبنا السامر.. وبين من أزبد وأرعد وبين من أراد أن يكون كمثل تاجر الحرب.. يغتنم الفرصة.. وكم من تاجر حرب قد ظهر بعد الخسارة المؤلمة!.. هم كثيرون.. أرادوا مغنما.. ولا بأس أن كان قوتهم التعصب والمناصب المتاحة الآن.. والأكيد أنه لم يكن هناك ردع ذاتي من قبلهم يعبر عن وطنيتهم التي دلقوها بكثير من الصفاقة والرجعية الفكرية.

إن ما حدث غير قابل للتبرير على الإطلاق، حتى إننا لم نستطع أن نتفق على الأسباب التي جعلتنا متأخرين.. يا للإحباط.!. وبعضنا أعلن بكائياته الوطنية بالمقارنات والتشفي!

لا نقبل إطلاقا أن نتجاوز الخسارة المذلة، دون بحثها والعمل على علاجها.. لكن لا نسوغ لأحد أن يجد فيها تجارة رابحة لتمرير ما يراه مؤلما لغيره من جراء عصبية تشجيعية.. أحسب جازما أنها أحد أهم أسباب تأخرنا!.. هل نستخلص من الخسارة والتجربة المرة التي عشناها أننا خلطنا بين مفهوم الوطنية الذي نريده وبين الفعل الأخلاقي الذي وجب أن نكون عليه؟!.. هو خلط عجيب أفضى إلى مرارة.. كيف لا والخالطون وجدوا في النكسة استذكارا لقضاياهم التافهة لكي يمرروها من جديد؟!

أقول كانت الخسارة الشيء الحقيقي الثابت في معمعة بحث كل منا إظهار وطنيته، فكم مزيف ظهر انتماؤه المحلي على حساب فريق الوطن.. وكم كاره لنجاح غيره استلذ بحسرة الخروج ليسقطه على من لا يطيقه محليا؟!.. هذا هو قدرنا.. وعلينا أولا أن نداوي عللنا الداخلية كي نستطيع علاج كرتنا الدولية.

[email protected]