الاستفادة من غير السعوديين

موفق النويصر

TT

قبل نحو شهرين، وتحديدا في 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نشرت «الشرق الأوسط» على صدر صفحتها الرياضية الأولى، خبرا عن توجه الرئاسة العامة لرعاية الشباب، لدراسة مدى استفادة الاتحادات والأندية السعودية من اللاعبين غير السعوديين، لمنحهم جوازات سفر تمكنهم من تمثيل أندية ومنتخبات المملكة، شريطة أن يكونوا من مواليد المملكة أو ممن أقاموا بها مدة زمنية لا تقل عن 10 سنوات.

هذه الخطوة التي علق عليها الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب في مؤتمره الصحافي الأخير، بأن اللاعب المقيم في السعودية تنتظره قرارات مهمة، في ظني لن تقتصر نتائجها الإيجابية على الشأن الرياضي فحسب، بل ستشمل الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

ليس بخافٍ على أحد أن السعودية تستقبل سنويا ملايين المسلمين القادمين لها بغرض الحج أو العمرة، وأنه خلال العقود الثلاثة الماضية تخلف عن مغادرة أراضيها مئات الألوف من هؤلاء الحجاج لأسباب متفاوتة، مما أوجد شريحة كبيرة من المقيمين بطريقة غير نظامية داخل المجتمع.

وقد تجذرت هذه الشريحة بشكل أكبر بعد أن تزاوجت فيما بينها وبين جنسيات أخرى، فأوجدت أجيالا لا يربطها ببلدها الأم أي رابط، وأصبح انتماؤها الوحيد للبلد الذي ولدت ونشأت وترعرعت فيه.

المفارقة، التي يعيها جيدا من عاش على تماس مع هذه الفئة، أنه في كثير من الأحيان لا تستطيع أن تمايز بينها وبين ابن البلد، فهم يتحدثون اللغة ذاتها، ويلبسون الملابس ذاتها، ويهتفون للأندية ذاتها، ويشجعون المنتخب نفسه، ويبكون إذا ما خسر في مباراة، ويرقصون طربا إذا ما فاز في أخرى. بلغة صريحة هم سعوديين.

لذلك كان صعبا على الكثير ممن خالطهم أو التصق بهم، أن يراهم يوما خصوما له في ميادين الرياضة، يمثلون أندية ومنتخبات أخرى، بعد أن كانوا الأهل والأصدقاء، خاصة أن ذويهم ما زالوا يعيشون بيننا ويشجعون أنديتنا ومنتخباتنا.

الأكيد أن تسرب هذه الفئات تباعا إلى دول الجوار، والاعتماد عليهم كركائز أساسية لمختلف الألعاب والأنشطة الرياضية هناك، فيه هدر كبير لمقدرات البلد الذي احتضنهم ووفر لهم الأرض الصلبة التي انطلقوا منها إلى رحاب أفضل.

ولكن الأكيد أيضا أنك لا تستطيع أن تحجب عنهم الحق في العيش الكريم، كون تلك البلدان فتحت لهم أبوابها واحتضنتهم، ووفرت لهم ما لم نوفره لهم.

ما لا يدركه البعض أن الكثير من هذه الفئات يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة للغاية، قد تجبر بعضهم، إذا ما ضاقت به الحال، أن يصبح قنبلة موقوتة قد تخل بأمن المجتمع ومنظومته الاجتماعية ليحصل على قوت يومه.

ولذلك فإن العمل على استيعاب شرائح منهم عبر الرياضة أو أي مجال آخر، سينعكس إيجابا على المجتمع الذي ينتمون إليه، وسينتقلون به من فئة «المعدمين في الأرض» إلى «العاملين على إعمارها»، كما حدث مع لاعبين سعوديين لم يمتلكوا يوما سوى المهارة الكروية، فكانت الرياضة هي البوابة التي انتقلت بهم وبأسرهم من حال إلى حال، وكذلك الأمر مع من تم تجنيسهم في أعوام سابقة لصالح بعض الأندية الكبيرة، فأصبحوا من دعائمها ودعائم المنتخبات الوطنية.

شخصيا، أحمل تفاؤلا كبيرا لهذه الخطوة، التي إن تمت كما أتخيلها، فإنها ستنتقل بالكثير من الألعاب الفردية والجماعية من مستوى إلى آخر أكثر تميزا وتألقا، خاصة ونحن نرى بعض دول الجوار تحصد لنفسها الميداليات الأولمبية والعالمية بأسماء هؤلاء اللاعبين.

ومن يعلم، فقد تفتح هذه الخطوة آفاقا أرحب في هذا الملف يعود بالنفع على الجميع، السعودية وكل من هو على أرضها.

[email protected]