صانعو الفرح الذين قسونا عليهم

محمود تراوري

TT

ككل مرة على مدى السنوات العشر الفائتة، لم يتردد الكثيرون في توجيه اللوم للاعبي المنتخب السعودي عقب فقد فرصة التأهل لمونديال البرازيل 2014، وتقريعهم بقسوة وفظاظة وصلت إلى حد «قلة الأدب» لدى بعض الكتاب ممن يخوضون - بحسب الزميل عاصم صالح إحدى المواهب الكتابية الجديدة المفرحة - في كل شيء. وهنا لا أعرف حقيقة كيف يتناسى المنتقدون بلغة إنشائية انفعالية فجة إنشائياتهم المماثلة التي لا يتورعون عن دلقها حبورا وابتهاجا وتغنيا بـ«الصقور» في لحظات الفوز! ما يشير إلى تعطيلنا كثيرا / دائما التفكير العقلاني، وارتهاننا لنزعات عاطفية، تبدو متشنجة غالبا، وتحكم معظم شؤون حياتنا.

الزميل عاصم - وهو بالمناسبة ابن الإذاعية المخضرمة دلال عزيز ضياء وحفيد عزيز ضياء أحد رواد الصحافة والأدب في السعودية - يلحظ «في حوار فيس بوكي) أن هناك نبرة متعالية تسود المجتمع تستكثر على اللاعبين ما يحصلون عليه من أموال نظير احترافهم. هذه النبرة تقرأها في الصحف وتسمعها بين الأصدقاء بل وحتى في الملعب بين المشجعين.. وهي نظرة قاصرة وسطحية، فالرياضة في كل العالم أصبحت صناعة تدر الأموال وليس ذنب اللاعب السعودي أن الله ابتلاه بخلل تطبيق أنظمة الاحتراف أو الإخفاق في استثمار الرياضة بشكل صحيح.

عاصم يرى أن اللاعب في نهاية الأمر لم يخرج من بطن أمه ليجد أمامه ملايين الريالات، بل بذل جهده وعرقه لكي ينال راتبه الاحترافي.. إن قصر في تأدية واجبه فالصحيح أن تتم محاسبته وفق القوانين والأنظمة وليس على مزاج بعض الكتاب ضيقي الأفق، قصيري النظر، فأغلب لاعبينا نشأوا في ظروف اجتماعية صعبة فرضت عليهم ترك الدراسة منذ سن مبكرة فهل نستكثر عليهم ما بذلوه من جهود بدنية للحصول على عيشة كريمة؟

نعم، هؤلاء اللاعبون الذين سكبوا عرقا، صنعوا فرحا يوما ما وأهدوه للجمهور، نقسو عليهم اليوم، متناسين أنهم من نسيج المجتمع، وما ينسحب على المجتمع من قصور وتقصير وعدم التزام أو انضباط، ربما يسري عليهم، إلا من رحم ربك، ممن عرف ورأى، واختط طريقا يميزه.

وضعية الرياضي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنصلح ما لم تتكامل صورة المجتمع كمنظومة متناغمة، تحرص على تجويد كل الأشياء فيها، ذلك أن اللاعبين في النهاية، وتماهيا مع المثل الشعبي «لم ينزلوا من السماء في زنبيل»، هم نتاج المجتمع بكل تشكلاته وتنوعات أنماط تفكيره، بكل خطاباته التعليمية والتربوية والمعرفية والدينية.

أخيرا هل يمكن القول إن جل ما يطرح هذه الأيام صحافيا، ما هو إلا تدوير وإعادة إنتاج لما ظل يطرح منذ كارثة ثمانية مونديال اليابان 2002؟