مدينة فاضلة!

مسلي آل معمر

TT

أنهى المذيع القطري خالد جاسم مكالمة المتداخل من السعودية، ثم أمسك بزمام الحديث قائلا: «عندنا في قطر ما نقدم رشاوي، وما نأخذ شي إلا بذراعنا وبالطرق الشرعية». ومن حقه أن يدافع عن بلده ويجمل مجتمعها، فأنا لا أملك دليلا على أن لديهم رشى أو شرهات، ولا أستطيع أن أثبت أو أنفي ذلك، حتى وإن وزع «الفيفا» مثل تلك الادعاءات التي ستثبت الأيام والمحاكم صحتها من عدمها.. لكن المزعج في الموضوع هو أن يأتي خالد جاسم ويفتح مجلسه لإطلاق الاتهامات من دون أدلة ضد زملاء مهنة في بلد مجاور وشقيق، وعندما أتى الدور على قطر أغلق الموضوع ونفى كل شيء وكأنه يعيش في مدينة فاضلة، لا يسكنها بشر!

لست هنا أدافع عن بعض الممارسات الموجودة، وهي في الحقيقة منتشرة في كل الأوساط الرياضية وغير الرياضية، في السعودية وباقي الدول العربية، خاصة الخليجية، إلا أن الأنظار تسلطت على الوسط الرياضي السعودي، حيث توجد الإثارة والآراء الحرة التي لا تخضع لقيود، لكن ما أقف ضده هنا هو طريقة المعالجة، فلا يمكن أن يطرح القضية ويحللها أشخاص هم أكثر المنتفعين، لكي يقدموا أنفسهم على أنهم مصدرو الفضيلة، ومن العيب أن تعمم الاتهامات لتشمل الكل، بل كان ينبغي أن تحدد الأسماء بالأدلة، لكي يتعرف الجميع عليهم بدلا من اتهام الوسط كاملا.

للأسف أن طرح القضية ومناقشتها كان لهدف الإثارة لا غير، ولتصفية الحسابات مع البعض، وإلا فإن الإعلام الرياضي جزء من المجتمع الخليجي، وليس السعودي فقط الذي اعتاد على الحصول على أغلب الأشياء عن طريق الهبات، حتى حينما يفقد الشخص وثيقة رسمية ويريد طلب بدل فاقد لا يمكنه أن يبدأ الإجراء إلا بكتابة «معروض» للمعني بالأمر لكي يحصل على المنحة، حتى العلاج في الغالب لا يحصل بعض المرضى عليه إلا بعد عرض الحالة إعلاميا ويتدخل فاعل خير وينهي المعاناة، لذا نقول إن الهبات والعطايا ثقافة تأصلت منذ عقود ولا يمكن مسحها ونبذها بين يوم وليلة.

نعم.. ينبغي أن نسعى لدفن هذه الثقافة، خصوصا في ما يتعلق بمن يعملون في مواقع حساسة، لكن يجب أن نكون واقعيين ونعمل على تغييرها في الأجيال القادمة، لأن تغيير الثقافة يحتاج إلى عقود من الزمن، ينبغي أيضا أن ندرس الوضع بجدية من خلال البيت والمدرسة، وليس من باب التشفي والتصيد على الآخرين، فالانتفاع لو لم يكن بالمادة فقد يكون بـ«الواسطة»، أو بأمور أخرى، فمن يجرؤ ويقول إنه لم يطلب «واسطة» من أحد إطلاقا؟

أخيرا.. هذه الثقافة خليجية وليست سعودية فقط.. ولو كان هناك كرماء في السعودية يغدقون الهدايا و«الشرهات»، فهناك أيضا كرماء في دول الخليج الأخرى، ونحن مجتمع يقول: ما يرد الكريم إلا اللئيم!