بؤر الشر

مصطفى الآغا

TT

المفترض (وأقول المفترض وليس ما يحدث على أرض الواقع)، المفترض أن يكون الوسط الرياضي نظيفا؛ لأن الرياضة في روحها وفي أساس وجودها هي للترفيه والترويح عن النفس، ودعم الأجساد بما تحتاجه من طاقة وقدرة على تحمل مصاعب الدهر، والأهم أن الرياضة لها روح سميت باسمها والكل يستخدمها حتى في السياسية، فعندما يخسر مرشح أمام آخر معركة انتخابية ويتقبل ما حدث يقولون إنه تقبلها بروح رياضية.

ولكن الواقع يقول إن الوسط الرياضي تحول عن مساره بفعل مليون سبب، منها الطموحات الشخصية، والشللية، وحب الظهور، والمال الذي تدفق بشكل كبير على كل مفاصل اللعبة: من مدربين ولاعبين وسماسرة ومنشآت وسفرات ومعسكرات، وتطور الإعلام: من مرئي ومسموع ومقروء إلى منتديات ومواقع و«تويتر» و«فيس بوك»، حتى صار كل فرد ضمن الدائرة الرياضية وكالة أنباء بحد ذاته.. وللأسف تحولت الولاءات من انتماءات للأندية ككيانات، إلى انتماءات لأشخاص وشلل، والأمثلة أكثر من أن نحصيها، والخاسر الأكبر هو جماهير الأندية التي تبحث عن الفرح والانتصار والاستقرار ولا شيء غيره.

الرياضة العربية وصلتها أمراض كنا نعتقدها بعيدة عنا بعد الأرض عن زحل وبلوتو، ولكن زحل اقترب منا بشكل مخيف، فذاقت الكرة العربية الموت على مدرجات ملعب بورسعيد، وها نحن نرى تبعات قرار إيقاف النادي واللعب على استاد الموت، ولا نستبعد مقتل المزيد دفاعا عن رأي مخالف... والأكيد أن التعصب الأعمى يقود لتصرفات عمياء أيضا، ومن يؤجج التعصب ليس الأندية وحدها، بل وسائل الإعلام التي بات أفرادها يتقاذفون التهم علانية، وصرنا نسمع صراخهم يعلو على صراخ المتحاورين في البرامج السياسية، وصرنا نسمع بأشياء ليست أساسا من طباع شعوبنا ولا من سلوكياتها.

وهنا أستشهد ببعض كلمات ساقها زميلي عدنان جستينة في مقالة له حملت عنوان «آه يا حمزة وبؤر الشر» يقول فيها: «لقد كشف بيان المركز الإعلامي من وراء إبعاد (حمزة والخليفة) ومن خلال الادعاء باسم جماهير النادي، الدور الخفي الذي كانت تقوم به (بؤرة الخراب) ضد إدارتي (المرزوقي وعلوان) بتحريض قلة من الجماهير لتقوم بعملية (تخريب) لمنشآت النادي، ولولا تدخل رجال الأمن لحدث ما لا تحمد عقباه، وأيضا الدور الذي يقوم به الرمز الأول لهذه البؤرة مع (محور الشر) التابع له، من إعلام على الورق، وعبر منتديات وغرف إلكترونية عبر (تخطيط) مرتب ومنظم وضع جمهور النادي في الواجهة، و(كوبري) لتحقيق أهدافها، والتي تحمل شعارا سبق (يا أنا يا أغلّس)».

كلام كبير جدا فيه عبارات مثل: بؤر خراب، ومحور شر، وتخريب لمنشآت، وتخطيط مرتب، ورجال أمن، وكلها عبارات «حربجية أكثر منها رياضية»، وهي لا توحي أبدا بأننا نعيش في وسط يتحلى بالروح الرياضية، وهنا أقرع ناقوس الخطر للوقوف لحظات نفكر فيه مليا فيما يحدث، وماذا نقول، وما هي العبارات التي نستعملها وتأثيرها على المتلقي، وحقيقة ما يجري فعلا في أنديتنا التي تضم مراهقينا وشبابنا المنفعلين والجاهزين للاشتعال... فقط ينتظرون من يولع فيهم.. ولنا فيما حدث في بورسعيد مثال مؤلم ومؤلم جدا.