فجيعة ما بعد الأهلي والشباب

محمود تراوري

TT

سأبارك للشباب الذي، ومنذ أكثر من عقدين، خلع أردية الوهن وعاد، فأمتع وأطرب وزاحم على القمة حتى أصبح مطلبا عند الموهوبين والطامحين من مواهب كرة القدم الذين لا يسعهم الاستمرار في أنديتهم. سأقول للأهلي حظا أوفر، وقد عدت أنت أيضا لموقعك المفترض بين الكبار والأقوياء، فلتحافظ على تكريس العودة، لتجنبها المصادفة، أو أن تذهب ضحية تشنج نفر من محبيك. غير أن الأهم عندي الآن هو تغريدة الاقتصادي الشهير الدكتور عبد العزيز داغستاني: «متى ندرك أن الرياضة تربية للنفوس قبل أن تكون إحرازا للكؤوس؟».

واضح هنا أن الداغستاني مستاء جدا من ردود أفعال عدد غير قليل من أنصار الفريقين، وأنصار فرق أخرى، جاءت تعبيراتهم بعيدة تماما عن الخلق القويم، قبل أن نقول «الروح الرياضية»، ما يثير تساؤلات ضخمة تسائل كل خطاباتنا المحلية «الدينية والتربوية والإعلامية» وتحاول البحث في أسباب هذا الاحتقان، جراء لعبة وممارسة رياضية يفترض أن تغرس فينا قيم ومبادئ المنافسة الشريفة، تلك المنافسة التي نأت بعيدا عن واقعنا، نتيجة ترديدنا نقدا لمثل ما قاله الداغستاني ووصفه بالمثالية، وكأن المثالية استثناء وعيب وليست الشيء الطبيعي لمنطق الحياة المستحقة.

ردود الأفعال من قبل الطرفين جاءت في معظمها تنفيسا لعالم داخلي في ذوات مضطربة، وتحمل دلالات وإشارات لعدم ملاءمة الانفعال للحظة المؤطرة بقوالب فرح، ونهاية موسم، وبالتالي حرمان «المثاليين» من اكتمال جمال المشهد.

جمل وعبارات ورغبات تبدو وكأنها تجنح إلى السحق والتدمير بلغتها العدوانية وخطابها الشرس، الذي حتما يتنافى مع القيم التربوية، ويتضاد بقوة مع مبادئ التربية الرياضية، هذا إن كنا ما زلنا نعترف بعد بأن كرة القدم ما هي إلا لعبة رياضية، لكنها الأكثر تشويقا، وأحلناها إلى الأكثر تمزيقا.

لن أكرر مقولة إميل زولا «إني أتهم»، بل أقول: كلنا متهمون، قيادات رياضية وصحافة ومثقفين وتربويين وعائلات وشارعا عاما.. كل المجتمع مسؤول. فعندما يتماهي - مثلا - من هو محسوب على الصحافة والحرف مع تفكير فرد بسيط لم يضئ عتمة عقله قراءة صفحة من كتاب طيلة حياته، لا بد أن يكون هناك خلل، إما انفصام، وإما ادعاء. حالة من اللافهم تغرقك وأنت ترى بعضا من حملة الأقلام لا يختلف خطابهم البتة عن أي خطاب مسف، منحط، يبعثره سافل في ليل مقهى، أو يدلقه حقير يختبئ خلف اسم مستعار في الشبكة العنكبوتية، بل الكارثة أنه ربما طرحه في وعاء لغوي باذخ، ولكنه بمثابة «السم في الدسم».