ألف مبروك

مصطفى الآغا

TT

السبت الماضي كان يوما استثنائيا في تاريخ الكرة الأرضية، حيث انقسم غالبية سكانها بين برشلوني وريال مدريدي، حتى لو كان هناك عشق أساسي لا يمت لهذين الناديين بصلة، إلا أن حمى الكلاسيكو غطت حتى على الأحداث السياسية، ولم أشهد في حياتي اهتماما بمباراة كروية باتفاق عالمي سوى مباراة برشلونة وريال مدريد مع احترامي لبقية الديربيات الأخرى الكبيرة، ومنها واحد جمع بين آرسنال وتشيلسي في اليوم نفسه، ولكنه لم يأخذ فتات ما أخذته مباراة العملاقين.. وللصدف ففي يوم الكلاسيكو كنت في تركيا وكانت المباراة المرتقبة والصراع اللاعب بين ميسي ورونالدو يتصدر الصفحات السياسية وليس الرياضية، ومنها صحيفة «زمان» التي وضعت صورة النجمين فوق صورة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وأيضا تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال اجتماع وزراء خارجية دول الناتو.. وقبلها بيومين كنت في بلغاريا واليونان ولا حديث سوى عن الصراع بين فريقين لا ناقة ولا جمل لأصحاب الحديث بهما.

فما هي علاقة البلغاري واليوناني والفرنسي والصيني والياباني والسعودي والقطري والإماراتي والمصري وبقية خلق الله بفريقين يلعبان في دولة بعيدة عنهم، والأطرف أن غالبية من يتحدثون عن البرسا ومدريد لهم ناد آخر أساسي يشجعونه، فهناك الهلالي والنصراوي والاتحادي والأهلاوي والمانشستراوي والليفربولي والميلاني والإنتراوي، ولكنهم في ليلة المباراة انقسموا إلى فئتين، والأغرب أن تسمع العربي يدافع عن خطط غوارديولا أو مورينيو وكأنه شاركه في وضع التشكيلة، ويصل التعصب إلى مستويات «خطيرة» عندما يتعامل المشجعون مع الحديث عن أنديتهم الغربية التي ربما لم يزوروها في حياتهم ولم يحضروا لها أي مباراة على الطبيعة، يتعاملون معها وكأنها أندية آبائهم وأجدادهم والأندية التي لعبوا في ساحاتها وباحاتها حتى تصل حد مساواتها بالشرف والعرض، ويتم منع الآخرين من انتقاد الفريق أو المدرب أو المجموعة ككل.

قد أكون أنا شخصيا من مشجعي تشيلسي لسبب بسيط هو أن «MBC» كانت قريبة من مقر هذا النادي، وكذلك مكان سكني، وأول تقرير عملته من لندن كان عن هذا النادي، ولكني بالتأكيد لم ولن أحبه مثل النادي المحلي الذي أشجعه وأتشرف بالانتماء إليه، وتكون علاقتي به فعلا علاقة متوارثة بين الأبناء والآباء، ولكنني، من خلال مشاهداتي اليومي والمشادات التي أتابعها، صرت أتحرج حقيقة من الدخول في نقاشات عقيمة حول هذه الأمور؛ لأنني صرت أخاف من تطور الأمور من مجرد نقاش رياضي أساسا لا ناقة لنا فيه ولا جمل، إلى عراكات ومشكلات نحن أساسا في غنى عنها.

ليس عيبا أن نشجع الريال أو البرسا، وليس عيبا أن ننقسم ونختلف رياضيا حول تشكيلة مورينيو أو غوارديولا، وليس عيبا أن نترك أشغالنا ونتسمر خلف التلفزيونات ليس كرمى لعيونها، بل العيب أن تتحول مباراة في دولة بعيدة عنا إلى مصدر للمشاحنات والتعليقات، وحتى العراكات، كرمى لعيون ميسي أو رونالدو، وعيب أن تدخل مشفى وتجد من يسألك قبل أن يسأل عن صحة المريض «برشلوني إنت أم ريالي؟».

والأغرب أن يدافع أبناؤنا عن انتماءاتهم الكروية الخارجية وكأن والدتهم قضت صباحها في ميلان، والثاني يعتقد أن ليفربول مسقط رأسه وأن نصرته واجب عليه منذ وعى حتى يموت.