وخذل عملاقا إسبانيا العالم

محمود تراوري

TT

ما إن كتبت هنا في الثامن من أبريل (نيسان) متسائلا ومبديا دهشة ما من تفوق الكرة الإسبانية على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمعظم دول أوروبا، ومنها إسبانيا التي يرى المصرف التجاري الأوروبي أنها ستكون الدولة الوحيدة في منطقة اليورو في حالة عجز في 2013، حتى بوغت العالم بخروج العملاقين برشلونة وريال مدريد من نصف نهائي بطولة أوروبا، وسط ذهول شبه كوني (عربي في جله) بعد أن رتب العالم أوضاعه وهيأ الناس أنفسهم لنهائي تمنّوه أسطوريا بين عملاقي إيبيريا، لكن المستديرة أبت إلا أن تذكّر العالم بأنه لا كبير؛ لا بطل دائم، ولا فريق لا يمكن أن يهزم أبدا.

مواليد ما بعد عام 1982 لا يتذكرون فريقا أسطوريا أذهل العالم بداية الثمانينات الميلادية، وما إن جاء عام 1982، حتى غدا منتخب البرازيل بنجومه الكبار يتقدمهم سقراط وزيكو وجونيور وفالكاو وايدر الفريق الذي لا يمكن تخيل خسارته لأي مباراة، وبات المرشح شبه الوحيد لنيل بطولة مونديال إسبانيا لما ضمه من لاعبين مهرة وسحرة في الآن نفسه، وخلفهم مدير فني تميز بالدهاء وامتلاكه فكرا كرويا شاهقا، كان بمثابة نقلة نوعية في تاريخ تقنيات كرة القدم، ألا وهو تيلي سانتانا الذي درب الأهلي السعودي بعدئذ مباشرة، وقدم فريقا ممتعا أيامها، مستثمرا إمكانات أكثر من عشرة لاعبين كانوا يمثلون عصب منتخبات الشباب والناشئين السعودية، ومنهم حسام وباسم أبو داود وخالد أبو راس وبندر سرور والمترو وفيصل عتيق الله، وغيرهم، المهم أن المستديرة يومها على كل ما توفر لمنتخب البرازيل من قدرات ومهارات، أفضت لأداء جمالي مبهر، أطاحت بكل أمنيات وتوقعات العالم، وخرجت البرازيل على أقدام الطليان وأيديهم، وكل ما كان متاحا أمامهم (قانونيا أو غيره) لإذلال سحرة السامبا.

غير أن المسألة في ذلك الزمان لم تكن شديدة الارتباط بالمال والاقتصاد، كما هي الحال اليوم، إذ شهد العقد الأخير، وربما تحديدا مع مطالع الألفية الثالثة، تناميا لتغول المال في دنيا الرياضة، ومضت كثير من الرساميل صوب الحقل الرياضي، كرة القدم تحديدا، وصرنا نسمع عن صفقات بأرقام تتجاوز الخمسين والستين مليونا من الدولارات أو اليوروات.

تداخلت الكرة مع الميديا والإعلان والتأمين، والضرائب والعمولات والسمسرة.. إلخ، وغدت صناعة وتجارة، وتحولت «فيفا» إلى إمبراطورية متضخمة حاكمة ومحكومة بالمال، وشكلت ما يمكن اعتباره هيئة الأمم المتحدة للشؤون الكروية، بل إنها فاقت وتفوقت على اللجنة الأولمبية الدولية التي كان لها الصيت فيما مضى من عقود، خاصة حين كادت تصير أداة سياسية بامتياز إبان الحرب الباردة.