مغمور بطوفان أخضر!

محمود تراوري

TT

وافق موعد ما أن أكون في قلب شارع التحلية عقب فوز الأهلي، وحفاظه على لقبه الأغلى، فوجدتني رغما عن أنفي أنغمر في طوفان الفرح الأخضر، الذي راح يشكله شبان رائعون وهم فرحون. أتسلل بسيارتي وسط الطوفان والشبان منتشون لأتفق بقوة مع إسكندر حبش الذي كنت قد قرأته صباحا وهو يؤكد أن «الساحرة المستديرة»، تشكل قطبا حقيقيا في حياتنا. هي أكثر من متعة، وأكثر من ثقافة، أخذتنا إليها منذ أن كنا صغارا. حضر حبش في بداية التسعينات مباراة جمعت ما بين فريق مارسيليا الفرنسي وبين الميلان الإيطالي في نصف نهائي «بطولة أوروبا للأندية الأبطال»، فاز مارسيليا، ليجد نفسه مع مشجعي الفريق، يجتاح أرض الملعب، وفيما بعد يجتاح الشوارع التي توصل إلى المرفأ القديم وإلى «الكانوبيير»، وهو أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، حيث تجري الاحتفالات. لم يتصل يومها بأحد من أصدقائه الكتاب أو الشعراء، سوى ميشيا، بعد المباراة. يقول «تعجبني كتبه بمقدار ما تعجبني خبرته الكبيرة بأسرار اللعبة وبالفريق.

بعد يومين، جلست إلى شرفته، حيث استرجعنا المباراة بأدق تفاصيلها، ونحن نتناول العشاء». وأنا كنت قد تناولت عشاء خفيفا، غير أني لم أتذكر مرفأ المدينة القديم، بل تأملت في جموع الراقين رقصا على حدود نوافذ السيارات، وتذكرت ألا يوجد ميدان يحتفل فيه أهالي المدينة، ليسيل نحوه هؤلاء الشبان «المجانين»، يسكبون أفراحهم التي كانت معتقلة في حزن الأهلي الطويل. مجنون منهم انفلت في الشارع وراح يركض بين أرتال السيارات التي بدا جل من فيها لحظتها منتشيا بجنون الفتى، لكن أحدا لم يصفق له، بل اكتفوا بابتسامات تخيلتها خضراء لأنها شعت ألقا وتسامحا. بدأت أنظر مجددا إلى كرة القدم بعين مختلفة، وإن لم أتناس المتعة التي تسببها على الدوام. إنها فعلا وكما قال حبش «متعة حقيقية». وإذا ذهبت إلى ما يقوله باسكال بونفياس، عالم الاجتماع الفرنسي، فإن تسجيل الهدف في أي مباراة، يشبه هزة النشوة.

بينما يميل بعض علماء الاجتماع إلى اعتبارها «حربا حديثة»، إذ رأوا أن كل فريق يرتدي ثيابا معينة، عبارة عن بذلات جيوش حديثة. جيشان منظمان، لديهما مهاجمون ومدافعون واحتياط.. و«مفكر استراتيجي». «المدير الفني» الذي يضع الخطط من أجل كسب «المعركة» (المباراة) كما طبيب من أجل إسعاف من يصاب.. ربما كانت حربا ما، فيما لو أخذنا بعين الاعتبار المعارك التي تحدث بين جمهور الفريقين والتي يسقط من جرائها العديد من الجرحى والقتلى أحيانا.