هذا البرنامج خادش للحياء!

أحمد صادق دياب

TT

قبل أكثر من 10 أعوام مضت كتبت في هذه الزاوية أن «مشكلتنا الأزلية أننا ما زلنا، وحتى على المستوى الإعلامي، نقيس الأمور بمنظور عاطفي، ونتسرع في إطلاق الأحكام جزافا، دون أن نترك لأنفسنا فرصة لالتقاط الأنفاس ومنح الذات فرصة للمراجعة عن الموقف مع الأيام. ولا يبدو أننا تعلمنا شيئا من خلال التجارب والحالات التي عشناها، فما زلنا ندور في نفس المسار».

ما سبق أن حذرنا منه قبل سنوات عدة من أن المستقبل الإعلامي الرياضي لا يبشر بخير بوجود ذلك التناحر البعيد عن أخلاقيات المهن، والرغبة الجامحة في فرض الآراء، والتفاخر «البذيء» بالأفضلية المطلقة على الآخرين، أعتقد أن ما نراه الآن هو حصاد ما زرعه أولئك الذين حملوا راية التعصب وحولوها بكل جهل إلى مسيرة تدفع بالشباب والأجيال القادمة نحو المجهول.

لا أدري لماذا نضيق بالحوار حتى لو كان مؤيدا لوجهات نظرنا.. فالكثير من الحوارات والكتابات لدينا تهاجم بقسوة، وتنتقد بعدائية، ولكنها لا تناقش بعقلانية، ويتحول الحوار أحيانا إلى نوع من المناظرة الذاتية التي تحمل الكثير من الهمز واللمز.. العلم الحديث في الاتصالات ألغى تماما فكرة الخصوصية وأصبحنا كلنا في قارب واحد، فما نشاهده نحن يشاهده الآخرون.. ولولا أنهم وجدوا لدينا أرضا خصبة للاستثمار لما توجهوا إلينا، بمثل هذا الجدال الذي لا يفيد، ماذا لو بدأنا بأنفسنا في تحسين لغتنا الحوارية وتهذيب مقالاتنا وتنقية الشوائب التي يعج بها وسطنا الإعلامي الداخلي، وعندها سيكون ردنا أكثر بلاغة وأفضل وقعا على الأذن وأكثر قدرة على الإقناع؟!.. فمن المهم أن ندرب أنفسنا على قبول الرأي الآخر ومناقشته عن طريق الواقعية والحقائق وليس عن طريق الشتائم، أو على الأقل نفرض قانونا يحمل بين طياته تصنيفا على البرامج.. يحمل تحذيرا للمشاهدين بأن بعض ما تسمعه أو تراه على الشاشة في هذا البرنامج يعتبر خدشا للحياء وأنت تراه على مسؤوليتك الشخصية.

الأكثر عرضة للنقد والأكثر تعرضا للرمي بالحجارة، هم الناصحون والناجحون، لأن البعض لا يحب أن ينجح غيره، ولأنه فقد فرصته وتاهت أقدامه وصارت به الدروب إلى شوارع الهم والحقد والحزن، يود أن يرى قامة جديدة تسقط على الأرض لأن في ذلك رضا له، وفرحة، لأنه يضيف إلى القائمة التي تضمه من الفاشلين، ويشعر نفسه بأنه ليس الوحيد الذي يسير في الوحل!

بعضنا مع الأسف لم يعد يفهم أن الحياة، وليست كرة القدم فقط، إنما هي مرتفعات ومنخفضات، نقطعها عدوا وحبوا، نستمتع بجمالها ونبكي بحرقة على لوعتها، نعيشها بكل جمالها وهمومها، فأصبح يتعامل مع الأمور بتشنج واضح وسطحية مبالغ بها وأسلوب استعدائي مندفع، وفكر لا يتعدى حدود مقدمة الأنف.