أسئلة أمم أوروبا غير الكروية

محمود تراوري

TT

كان المنتخب الإنجليزي وهو يستعد لملاقاة الطليان اليوم في مباراة هي أشبه بالذهاب لجبهة معركة حامية الوطيس، على خلفية النزاع التاريخي بين البلدين على عدة صعد، يمارس تدريباته الاعتيادية يوم الجمعة الماضي حين تسبب حيوان الخلد وهو من فصيل السناجب في تعطيل تلك التدريبات، وفق ما قالت وكالة الأنباء البولندية إن الحيوان الصغير ظهر على عشب أرضية الملعب في مركز تدريب الفريق الإنجليزي بمدينة كراكوف، وتوقفت التدريبات حتى نجح أحد المتطوعين في إبعاد الحيوان عن أرضية الملعب.

مهنيا، الخبر يمكن تصنيفه ضمن طرائف البطولة الأشرس في تاريخ نهائيات الأمم الأوروبية، طرائف هي بمثابة نافذة مسلية يطل منها الأوروبيون ليتنفسوا شيئا من نسائم البهجة، تصرفهم عن سلبيات أخرجت ألسنا طويلة، بدت وكأنها تسخر مما بات أن يصير يقينا عند كثيرين، حول تحقق واقع مثالي لحياة إنسانية تتوافر على مبادئ وقيم العصر النبيلة التي كافح الإنسان طويلا سعيا للوصول إلى رهانات الحياة الجيدة التي تضمن ولو أدنى حد من حقوقه في المساواة والعدالة والكرامة والإنصاف. لكن البطولة الأخيرة أعادت نكء جراح إنسانية عميقة، باعثة كثيرا من الشكوك حيال هذا المعطى، خاصة بعد آخر تقارير للاتحاد الأوروبي عن ممارسات التمييز والعنصرية المختلفة بالبلدان الأوروبية، التي أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي قد تبنى في عام 2000 قانونا بعيد المدى، يهتم بالتعامل مع الممارسات العنصرية المختلفة، ولمنعها على كافة المستويات العرقية والدينية والجنسية، ومن جميع المجالات اليومية؛ كالمجالات التعليمية، والخدمات الاجتماعية، والنشاطات الرياضية. وأن أول هذه التقييمات قد تم صياغته في نهاية عام 2006 وأول عام 2007، والذي شهد نشاطا للاتحاد كان يهدف إلى تعريف المواطنين بحقوقهم المدنية، وتقرير التعددية، ودعم المساواة، وتمهيد الطريق لاستراتيجية أكبر لمحاربة التمييز والعنصرية.

واعتبرت التقارير ألمانيا أكثر الدول التي يمارس فيها التمييز العرقي؛ فقد حصلت على 80 في المائة من نسبة تلك الممارسات التمييزية، ومن هنا لا يبدو مستغربا أن تشهد البطولة ظهور الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل، في «تويتر» متذمرا مما اعتبره تعليقات عنصرية تكتب ضده من قبل بعض أنصار المنتخب الألماني، وهنا تبدو العنصرية مختلفة عن عنصرية أخرى يشكو منها الإيطالي «المجنون» بالوتيلي، التي تتقاطع مع ممارسات مشابهة لا تخلو منها ملاعب عربية على نحو ما يواجهه شيكابالا لاعب الزمالك من هتافات عنصرية لجماهير الأهلي. بينما كان لاعب مصر أحمد حسام ميدو يتعرض إبان احترافه في نادى مدلسبره الإنجليزي لهتافات عنصرية كونه عربيا، أو حتى تلك الإيماءات التي تطال أحيانا لاعبين فرنسيين من أصول مغاربية كبنزيمة ونصري وبن عرفة. لينتصب السؤال حادا كمدخل لأسئلة أعمق: لمَ لم تحل القيمة الفنية العالية لمستويات البطولة منذ بدايتها دون إطلالة العنصرية؟