الأولمبياد.. انصرافا عن اللجلجة

محمود تراوري

TT

«لا توجد فوضى في العالم شبيهة بفوضى المجتمعات العربية، في لحظتها الراهنة. فوضى تتجلى في شتى الميادين من حياتهم المعاصرة.. السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والدينية. ولا أظن أنها مرشحة للانحسار أو التراجع، بل كل المؤشرات الواقعية تشير إلى أن هذه الفوضى من فرط إيقاعها السريع، فإنها تسير إلى تشظيها وتمزقها في جميع الاتجاهات والدروب».. هذا ما يراه محمد الحرز في مقالة عميقة بـ«الشرق» السعودية، نشرت عشية انطلاق أولمبياد لندن، الذي ينتظر، كما هو حالنا في الوطن العربي منذ عقود، أن يفتح الجراح ليجدد مزيدا من الأسئلة والأسى على واقعنا الرياضي الذي - بالضرورة – لا يمكن مقاربته بمعزل عن مؤثرات أخرى منها ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي بل وفكري/ ثقافي.

خلافا لما توحي به عبارة «الألعاب الأولمبية»، التي تبدو وكأنها تعيد أصل الرياضة إلى الحضارة اليونانية، فإن الرياضة في معناها العربي تبدو وكأنها تعبر بامتياز عن حالنا حضاريا بين الأمم الآن، بعيدا عن المزايدات واجترار الماضي والنواح «صوتيا» على فضائل وقيم ليس لها وجود تطبيقي على أرض الواقع، قدر ما هي استعراضات كلامية تتماهى تماما مع مقولة القصيمي الشهيرة «العرب ظاهرة صوتية».

على المستوى القومي سجلنا تراجعا مريعا، فبعد أن كنا نقدم على الأقل التماعات هنا وهناك ما بين الدورة والدورة الأولمبية منذ أيام العداء التونسي القمودي مرورا بأسماء في الجودو كالمصري رشوان، وعدائي وعداءات الشمال الأفريقي، بتنا نقف على أطراف مائدة أهم حدث كوني رياضي نتفرج، بل إن دولا يمكن اعتبارها متواضعة ماديا تقدم بطلات وأبطالا يتوجون بالذهب، في تأكيد منها على أن المناخات الحرة تتفوق على المال في تقديم كفاءة الإنسان وإشراقته وصناعة الأبطال، فالإنسان ولد حرا ليبدع، وعندما يفتقد المناخ ويضيق عليه الهامش لا يمكن أن يبدع، فالإبداع دائما صنو حرية ونتاج لها.

في فترة ما بين الحربين الكونيتين القرن الماضي، تحولت الرياضة إلى أداة من أدوات الصراع والقومية، وشرعت المباريات الرياضية طبقا لجورج طرابيشي تتحول إلى مباريات بين الأمم، وتعزز هذا الطابع القومي للرياضة مع تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في إيطاليا الموسولينية عام 1934، ثم دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا الهتلرية عام 1936، وغداة الحرب العالمية الثانية أضحت الرياضة مظهرا من مظاهر الحرب الباردة، ولذلك تفاصيل ليس هنا محلها الآن. فقط دعونا نستمتع بالأولمبياد، والبعض يأمل ألا تنصرف ذهنيات وأفكار المتلقين لمشاركة المرأة السعودية، عن استيعاب البون الشاسع بين عالمين في القيمة الفنية والمستويات والتنافس على التهام الميداليات وتحطيم الأرقام القياسية في المسيرة البشرية التي تجاوزت نقاشات بديهية منذ أزمنة بعيدة نسبيا، وتفرغت للعطاء والإبداع، ولا شيء غير الإبداع يصرفك عن اللجلجة.