أيها الرياضيون لا تستحموا

محمود تراوري

TT

تابعت فيلما أميركيا يمكن إدراجه ضمن قائمة (التراجيدكوميدي) يقدم دراما راقية تنهض بعيدا عن الإسفاف والتهريج سمة غالبية الدراما العربية هذه الأيام. يطرح الفيلم بحساسية عالية قصة نجم سلة بارع، لكنه لا يجيد السيطرة على انفعالاته وعواطفه، مما يضطر اتحاد اللعبة إلى شطبه نهائيا، ولأن عشق اللعبة يسري في عقله ودمه، يلجأ إلى التنكر في شخصية فتاة، ويلتحق بفريق نسائي، يخوض معهم بطولة الدوري وينجح بالتالي في دفع الفريق للصفوف الأمامية والمنافسة على بطولة الولايات للفتيات. ينجح اللاعب وسط مشاهد فاقعة الكوميديا في إخفاء شخصيته فترة طويلة، حتى يفتضح أمره قبل المباراة النهائية بدقائق فيحرم من خوض النهائي، لكنه ينجح في شحذ همم زميلاته من خارج الملعب وتحريضهن على الفوز حتى تحقيق اللقب.

ما يتبقى من الفيلم اللطيف هنا، هي تلك اللحظات التي كانت تعقب المباريات، وتحديدا أثناء الاستحمام. صاحبنا الفتاة المزورة كان يتجنب الذهاب مع زميلاته للحمام، متذرعا بأعذار واهية، ليس منها أن الاستحمام عدة مرات بصابون أو شامبو بعد مزاولة الرياضة مباشرة يسبب سرطانا في الجلد، طبقا لدراسة علمية تروج حاليا عبر شبكة الإنترنت تؤكد مدى خطورة الاستحمام بعد أي ممارسة للرياضة بالمنظفات كالصابون وسوائل الاستحمام، لأن جلد الإنسان يحتوي على مسامات وهذه الأخيرة تتفتح أثناء الرياضة لتفرز العرق. وتبقى مفتوحة نحو 30 دقيقة بعد التمارين الرياضية، وعند الاستحمام بالصابون أو الشامبو أو أي منظف آخر يدخل هذا المنظف مع المسامات التي لا تزال مفتوحة وهي تحتوي على مواد سامة، عند دخولها للجسم تسبب مع مرور الوقت سرطانا في الجلد، لذا يؤكد العلماء الاستحمام بالماء فقط لتجنب دخول الصابون إلى الجسم.

بغض الطرف عن مدى صدقية هذه الدراسة المزعومة، إلا أنها تثير من جديد سؤال المعرفة، في عالمنا العربي الذي عبّر الأولمبياد الذي نعيش لحظاته الأخيرة، عن واقعه المتواضع والمحزن، الذي هو - بالضرورة - يمثل انعكاسا لأوضاع متردية على عدة صعد، عن البعد العلمي - المعرفي الذي يصاحب الرياضية «ممارسة وإدارة ومتابعة صحافية وجماهيرية»، وهو الأداة المثلى التي اتبعتها دول، أبرزها نموذجا الصين وكوريا الجنوبية، إذ لا يقدم كل هذه المواهب المبدعة في مختلف الرياضات، التخبط والعشوائية والمحسوبيات، بل استراتيجيات قصيرة وطويلة المدى، مؤسسة على دراسات وأبحاث، تنشأ لها مراكز ويتفرغ لها باحثون وأكاديميون مستقلون، بينما تمضي أمورنا بالبركة والتساهيل، مما يجعل الجماهير كثيرة الإحباط، وبما لا يجعل الرياضة تفضي إلى أنها انعكاس لآمالنا وتطلعاتنا، بل تفضي وفق منظور إسكندر حبش «إلى خوفنا الكبير وإلى الرعب الحقيقي الذي يجتاح كل تفاصيل المجتمع».