الضحكة الأخيرة لنور وياسر

محمود تراوري

TT

كنت صغيرا جدا حين أتعبته طوال المباراة، وهو يرفعني بيديه لأرى ما يحدث حين تقف الجماهير لتتابع إثارة لعبة ما في مدرجات ساحة إسلام بمكة المكرمة، أحد الملاعب التاريخية في مسيرة الكرة السعودية.

كان ذلك تقريبا أواخر السبعينات الميلادية، وكان المتعب برفعي طيلة وقت مباراة الهلال والوحدة، أخي (صدقة) أحد قدامى عشاق الوحدة الحقيقيين الآيلين لانقراض، والذي منه تعلق قلبي بالوحدة. كنت من صغر السن بما لا يتيح لي الآن تذكر بأي مناسبة كانا يلعبان، أو كم انتهت النتيجة، لكن ثلاثة أسماء، ما انسحبت من وجداني أبدا، ظلت غائرة في أقاصي الذاكرة، وبالأمس اجترها من هناك حديث لمهاجم الهلال الفذ فترة السبعينات محسن بخيت، أحد القابعين في تلك الذاكرة القصية إلى جانب مهاجم الوحدة الذي كان أقرب شبها لمحسن قواما، ألا وهو هداف الوحدة في السبعينات أيضا فؤاد الخطيب، أما الثالث فهو حارس المرمى علي سروجي.

بالأمس عاد محسن للأضواء مجددا عبر الصفحة الجميلة – عندي - التي تصلنا بالتاريخ كل جمعة في صحيفة «الرياض»، وتوقفنا على مسافة من التأمل بين واقعين، حيث تستعيد الذاكرة تقنيات الكرة قبل نحو أربعة عقود، حين كان آلية 4-4-3 هي السائدة، حيث هجوما الجناحان الأيمن والأيسر، ورأس الحربة «التقليدي» في قلب الهجوم، ولعلك تلاحظ هنا أن المفردات خارجة من القاموس الحربي - العسكري، ولهذا دلالات مهمة سأتناولها في مقالة لاحقة، لأستمر هنا بالقول إن محسن والخطيب كانا أنموذجين بارعين لقلب الهجوم الكلاسيكي، لكنهما ظهرا في حقبة نتائج متواضعة للمنتخب الوطني الذي انضما إليه، محسن بدءا من دورة الخليج الثانية، والخطيب في الدورة الرابعة، وبالتالي حرمت الملاعب السعودية من موهبتيهما الكبيرتين، ودفعا ثمنا كبيرا بأن يكون اسماهما متواضعين في ذاكرة الإنجازات، وإن كان حال محسن أفضل لما حققه مع ناديه حين كان الهلال يبني اللبنات الأولى في ممرات الزعامة بالتاريخ الكروي السعودي الحديث، زمن مغادرة الملاعب الترابية إلى العشب والنقل التلفزيوني وبالألوان، والتعصب المقيت.

ما ينطبق على هذين النجمين الكبيرين في التسعينات الهجرية، يمكن انسحابه على عدد من المواهب اللافتة التي هيمنت على أضواء نجومية الكرة السعودية (محليا) على مدى العقد الأخير مطلع الألفية الثالثة، ولكنها عانت مما عانى منه محسن والخطيب، إذا ظهروا في زمن تراجع أداء المنتخب القومي، وأتصور أنه يمكن أن أطرح اسمي محمد نور وياسر القحطاني هنا كأنموذج أيضا، مع التساؤل عن مصيريهما مع الذاكرة، وقد اقتربا من إطلاق الضحكة الأخيرة.