العرس الجداوي

عبد الرزاق أبو داود

TT

لقاء اليوم الاثنين بين الأهلي والاتحاد في نصف نهائي دوري أبطال آسيا ولأول مرة في تاريخ عملاقي جدة هو «حصة» تنافسية تخضع لمعايير خاصة جدا. وبعيدا عن حكاية «الديربي» التاريخي، والمنافسة القوية المتواصلة، وأهمية اللقاء المعنوي والتاريخي والإنجازي للطرفين، فالمباراة صعبة.. صعبة.. صعبة، وقد تكون حماسية، مثيرة، وربما تفتقر أحيانا إلى «الانضباط التكتيكي» من الفريقين جراء انفلات الأعصاب أو العواطف.. من سيتمكن من السيطرة الميدانية؟ من سيحرز أهدافا؟ هناك مشاكل يعاني منها الفريقان في خطوط عدة.. هما يعانيان في الدفاعات.. ففي مناطق وسط الدفاع شبه ممرات مريحة أحيانا، ومضطربة ووعرة أحيانا أخرى.. ربما تقدم «التحية» للعابرين الطامحين في أحايين كثيرة، وتكثر ضمنها وحولها الأخطاء والعنف والمسك باليد والانزلاقات المستهجنة. هناك إهدار للفرص السهلة لا شك في ذلك، وارتكاب للأخطاء والضربات الركنية والهجمات العشوائية. الأهلي ربما يكون أكثر تنظيما وأضعف دفاعا، والاتحاد ربما يكون أكثر خطرا وأقوى دفاعا، وقد تتفوق كفة الأهلي الهجومية، ويتساويان وسطا.. وحراسة.. وكنا أحيانا نشهد ارتفاع وتيرة الأداء الفني ثم انخفاضها فجأة، وتغلب الحالة النفسية «المقننة»، وسيادة «التوصيات» السلوكية المسبقة على عناصر الأداء الميداني والفني في لحظات معينة.

في لحظات خاطفة قد يتردد بعض اللاعبين في الإمعان في ارتكاب الأخطاء ضد المنافس، ويحجم معظمهم في نهاية الأمر عن التمادي فيها خوفا من أعين الرقباء وبطاقات الحكم وصافرته.

لقاء الاثنين الآسيوي عبارة عن حرص وحذر شبه جماعي في السيطرة على النفس، ومحاولة البعد عن التوتر، والخوف من الهزيمة، مما يساعد الحكم على إدارة المباراة.

تلك أهم النقاط الفنية والميدانية الرئيسة في لقاء جدة الآسيوي الكبير، غير أن اللحظات الأهم قد تكون قبل النهاية بدقائق.. لحظات مؤثرة، لحظات مخيفة ورائعة كذلك في معناها.. وإذا كانت المباراة عموما صعبة، وقد تكون مثيرة، أخوية، مؤثرة، تاريخية في نهايتها وبدايتها ولها حصة أخرى قادمة، فقد أظهرت أحوالها وما سبقها كم نحن قريبون من بعضنا، وأننا جميعا أبناء وطن واحد، وشاهدنا بلا تكلف كيف نكون بجوار بعضنا. وداعا للتعصب، وسحقا للتحريض، وبعدا للإثارة المقيتة، لا يبقى غير الحب والأخوة والأثر والفعل الجميل.

فيا أبناء الاتحاد والأهلي لقد أثبتم أن الأخوة أغلى وأهم من التنافس للفوز بمباراة أو بطولة، وأرقى وأشد رسوخا من بطولة أو كأس، تلك «الحالة» العفوية التي جاءت قبل بدء المباراة وتمثلت في بيان أخوي نشر في وسائل الإعلام كانت «رائعة»، تلك كانت أغلى وأجمل لحظات شاهدناها قبل المباراة الأولى بين الشقيقين الجداويين. لقد انتصر العقل والعقلانية والروح الرياضية والمواطنة الحقة، وانهزم دعاة التحريض والتعصب والإثارة الغوغائية المصطنعة التي لا تخلف غير الأسى والمرارة والضغينة.

هنيئا للناديين العملاقين اللذين ضربا مثالا رائعا يحتذى به في أصول التنافس الرياضي الشريف.