إفراط!

عبد الرزاق أبو داود

TT

كتابات، أخبار، تعليقات، برامج، إشاعات، فبركات، رسائل، تقارير، وتصريحات، وبيانات بكافة وسائل الإعلام الرياضي، وغيرها من وسائل التعبير، كارتياد الملاعب والمقاهي المكتظة بالشاب، أولئك المسمرين أمام الشاشات لمشاهدة كرة القدم، حيث جعلتها الفضائيات بمتناول الجميع، فأصبح لدينا مشجعون لفرق إنجليزية وإيطالية وإسبانية وغيرها. هؤلاء الشغوفون بكرة قدم لم يمارسها معظمهم إلا لماما، وإذا ما فاز فريقهم المفضل دلفوا إلى الجادات والشوارع مع رفقائهم، يزعجون الناس بممارسات عبثية.

ما هذه الظاهرة؟ يمكننا أن نطلق عشرات الأسئلة حول هذا الإفراط، وكأننا في صراع مع الزمن، بحيث يجب ألا ينقضي يوم إلا وكان لكرة القدم فيه نصيب! وحتما لا يمكن لأحد أن يتهمنا بمعاداة الرياضة، فمنها وإليها كنا وما زلنا، ولكن الأمر لم يصل إلى هذا الاندفاع المتنامي. ما هو الإفراط أساسا؟ الإفراط هو اهتمام طاغ خارج المعقول بفكرة أو شيء ما، وعادة ما يكون مرتبطا بمظاهر القلق والارتباك والشعور بعدم الاستقرار والعدائية، وربما يكون في بعض الحالات ارتباطا طاغيا ملزما وغير مبرر بفكرة أو عاطفة معينة وأمر ما.

ليس لدينا أدلة موضوعية حول مصدر الإفراط السلبي والإيجابي، ولا ما يثبت إن كان مضيعة للوقت أم أن له مردودا إيجابيا، فمثل هذه التساؤلات في حاجة إلى دراسات متخصصة، ولكن «المؤكد» أن ظاهرة الإفراط الرياضي المتنامي يمكن نعتها بأنها قد أصبحت سائدة لدى شرائح واسعة من مجتمعنا، والشواهد على ذلك كثيرة متعددة عبر وسائل الإعلام والمدرجات والأندية و«جهابذته» التعصب الإعلامي الرياضي، الذين يمطروننا كل يوم بطروحات تفيض بالإفراط والتعصب والتجريح والإثارة. وربما يعتقد البعض أننا ضد ممارسة الرياضة، وهذا استنتاج خاطئ تماما، فنحن منها وإليها كما بينا مرارا، ولكن الأمر على ما يبدو قد تخطى حدوده، وانحدر إلى ممارسات تعدت حدود الانتماء، ووصلت إلى التعصب والعنصرية.

الإفراط والشغف المسرف، أم الانتماء بعقلانية؟ طرفا معادلة يصعب تحقيقها لدى كثيرين، ولكننا في حاجة ماسة إلى مراجعة كثير من ممارسات رياضية وشبه رياضية لإظهار واستثمار فعالياتها وأنشطتها للتعبير عن شغفنا بها بلا إفراط، لا التعبير عن أشياء ومشاعر دفينة تكشف عنها ممارسة الشغف المفرط في صور وممارسات غير رياضية، والتي أفرزت الكثير من السلبيات التي يتبرأ منها الجميع، وتمارسها شريحة هائلة.

نعرف أناسا كثيرين يقضون ساعات طويلة أمام التلفزيون لمتابعة كرة القدم، ويصرفون مالا للاشتراك في الفضائيات الرياضية، وآخرين لا تفوتهم مباراة في الدوريات الأوروبية أو المحلية ويأكلون وجباتهم أمام التلفزيون، ويتأخرون عن أعمالهم نتيجة السهر لساعات طويلة، ويحلو لبعضهم الثرثرة عن نتائج المباريات دوما، يفعلون ذلك وأكثر منه! بدلا من الانصراف إلى واجباتهم. معظم هؤلاء لا يمارسون الرياضة أصلا، ولكنهم يمثلون السواد الأعظم من المهووسين بها، بحيث أصبحت الرياضية عبئا ثقيلا على حياتهم!