المريض الكروي

عبد الرزاق أبو داود

TT

في الجمعية العمومية التاريخية لاتحاد كرة القدم انطلق «مشروع التطوير» المنتظر طويلا، فهذا يريد شيئا وذاك شيئا آخر، هو يتحدث «لغة» أخرى، لا تتماشى مع أهدافهم، المفردات.. العبارات.. الأفكار.. مختلفة بعيدة عن المجاملة.. مجردة مباشرة، لكم ما ترون ولنا ما نرى، لا تداخل، وسنفعل ونقول ما نراه حقا، تفويض تاريخي كبير تملكه هذه النخبة من رجالات كرة القدم السعودية تبعا لذلك.. عمليا وتاريخيا وانتمائيا، بحيث لا يمكن دحض هذا.

بهذه الروح وتلك الرؤية بدأت «المقاربة»، ومنذ البداية توقعنا التقاطع، فهناك من يريدون التوغل بأي وسيلة كانت ومن أي طريق أتوا! حسنا، إنهم يحتجون.. ثم تبدأ نغمات «مختلفة» التوجهات.. وتنطلق عمليات تبادل المواقف من عقالها، لتتوارى «بعض» «المنطلقات الحقيقية» خلف حواجز «التكبيل والتكتل» بعيدا.. ينظرون شذرا.. ويتألمون لما قد يصيب «المسيرة» وسيصيبها ولا مجال لإعادته كما كان.

لنستمع رويدا إلى تجاربهم.. معارفهم.. مفاهيمهم.. أهناك شيء محدد.. واضح.. مجرد.. موفور التجربة.. ساطع المدلول.. نعم إنها متعة الصراع الفكري والمنهجي. «همس».. و«بيادق» تتحرك عن عمد وترصد مسبق، يفرح بها البسطاء حينا وتخبو في أتون السكون والصمت حينا آخر.

عبر السنين كنا نتأمل في «قابلية» «المواجهة» بين «طرفين» قد لا يكونان بالضرورة نقيضين، وكان من المنطقي أن يكون الاحتكاك أوله «الكلمة»، وقاطرته «الانتماء» لسبر غور الطرف الآخر ومعرفة نواياه.. ثم تنطلق تبعا لذلك وما زالت عمليات الفرز والاصطفاف والاستقطاب الفئوي والمناطقي.. فالتكتلات المصلحية النفعية المتبدلة التي يقوم معظمها على اتصال ووعود شخصية وأخرى حالمة، قائمة الآن لكي تتكون الصورة، وتتضح النوايا، وتبرز أدوات مجابهة بين تصنيفات «متباينة». تاريخيا المقارنة صعبة.. وهل يمكن بالفعل أن تكون «الدماء» الموسومة بالجديدة محور التغيير؟ دماء همها المكان والمكانة. سنوات من السعي والضياع.. ولا جديد سوى الصراخ والاحتجاج.. وطرح «مقولات» مغلفة بعبارات عصرية لا تمت إلى الواقع بشيء، ويظل «الطبيب» هو نفسه يكرر ذات المعالجة وذات الدواء، والعلة ليست في المريض «الكروي» ولكنها في كثرة «الأطباء» المستجدين والحالمين والطامحين من خارج الجمعية وداخلها.. أوجعوه كلاما بما يأتون به من عقاقير لا تجدي، في عصر أصبحت الرؤية والمعرفة والتطوير متاحا للجميع.. غير أن اغتنامها لا يكون بمنطق الاصطفاف والتكتلات مهما تعددت الأوهام والمسوغات.

إنها مقاربة مضحكة.. مضنية.. متناقضة.. تقود إلى مزيد من الشرذمة والتفكك، وكثير من الارتباك والتناقض! لمجرد أن هناك من قال: «لا» لمنطق بالي.. لا للازدواجية المعيارية.. لا للمناطقية والفئوية والشللية التي تزحف رويدا لإزاحة كل شيء في سبيل تحقيق الذات على حساب «المريض الكروي».

هي حالة كانت وستظل تئن تحت الضغط الاصطفافي وأدواته وتوابعه الآن، فـ«التجني» و«المسكنات» الوهمية والوقتية لا تجدي كثيرا؛ لأن شعار «الجميع وللجميع» أصبح خاويا من المعنى العملي التطبيقي.