المسألة ليست كرة سيد بلاتر

محمود تراوري

TT

بعيدا عن ما يمكن تسميته (حديث الساعة) أو لنقل (حديث الرشى) الذي شغل وأهم الوسط الإعلامي والرياضي سعوديا، وأعاد للأذهان ملفا قديما، سكت عنه، ألا وهو حادثة (رشوة الوحدة) لحارس نجران قبل ثلاث سنوات، التي لم يعرف الرأي العام إلى ما انتهت!

أقول: بعيدا عن كل هذا اللغط، الذي سيتراجع للخلف بعد قليل، لينشغل الوسط بمسألة أخرى من (القضايا الانصرافية) في مجتمع بلا ذاكرة، استوقفني تصريح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) سيب بلاتر بالأمس وهو يعترف بأن التخلص من العنصرية في كرة القدم بشكل نهائي يعد أمرا مستحيلا، لأن المشكلة مجتمعية في الأساس.

خلفية تصريح بلاتر الذي – في تقديري – لم يأت بجديد، كانت على أثر غرامة مالية وقعتها اللجنة التأديبية بالفيفا ضد صربيا عطفا على أحداث صاحبت مباراتها مع إنجلترا في بطولة أوروبا تحت 21 عاما في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن اللافت في كلام السيد بلاتر قوله بأن «الفيفا بالقطع لن يتسامح مطلقا مع التمييز والعنصرية، ويتعين علينا أن نتخذ إجراءات صارمة ضد التمييز والعنصرية في كرة القدم».

وأن المسألة نابعة مما يضخه المجتمع، وهي مرتبطة بمستوى التعليم ومخرجاته ومفاهيم التآخي بين البشر. واعترف بلاتر بأن القضاء على هذه الآفة التي باتت مصدر قلق على المستوى الدولي في الآونة الأخير شديد التعلق بتراجع مستوى التعليم، ناهيك بأن منظمات دولية في مقدمتها «اليونيسكو» المعنية بالتربية والمعرفة والتعليم، حددت يوما لمكافحة العنصرية، التي صارت تمثل تهديدا واقعا للسلم الاجتماعي - الدولي.

وبغض النظر عن الضرب بيد من حديد، طبقا لبلاتر، لمكافحة هذه الآفة، يبدو أن العقوبات والغرامات المالية وحدها لم تعد كافية لتحقيق نتائج، ما لم يصر إلى برامج «توعوية» وآليات أخرى تنفذ على مستوى دولي كبير ومدروس، يمكن أن تسهم في اتقاء شرور العنصرية وكل ما يتصل بها، لاستعادة الوجه المضيء لكرة القدم والرياضة بصورة عامة، وتماهيا مع ما اختتم به بلاتر تصريحه (كي أكون منصفا لا يمكنك تعليم الجميع، من السهل جدا أن أقول: إن كرة القدم هي الانضباط والاحترام واللعب النظيف، هذا أمر يسهل قوله، ولكن يصعب تطبيقه).

كيف ولماذا يصعب تطبيقه؟ السيد بلاتر لم يوضح لنا ذلك، لكن الزبدة كلها - ربما - تختصرها إشارته إلى التعليم، وأضيف إليه (التربية وما يرسخه المجتمع من الصغر في ذهن الفرد من أفكار وقيم وتصورات ومفاهيم)، وهنا تخرج كرة القدم من كونها مجرد لعبة، إلى مجالات أوسع وأهم تتدخل فيها كل الأدوات التي تصنع وتبني وعي الفرد.